والرحمة، ولا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله - عوان بين ذلك. وابتغ بين ذلك سبيلا - فبذلك فليفرحوا. قوله (وتمت كلمة ربك) معنى تمت ثبتت كما قدره في أزله، وإذا تمت امتنعت من التغيير والتبديل وقيل الكلمة هي قوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) أي ممن يستحقها من الطائفتين، والتنوين في (وكلا) للتعويض عن المضاف إليه، وهو منصوب بنقص. والمعنى: وكل نبأ من أنباء الرسل مما يحتاج إليه نقص عليك:
أي نخبرك به. وقال الأخفش (كلا) حال مقدمة كقولك: كلا ضربت القوم، والأنباء الأخبار (ما نثبت به فؤادك) أي ما نجعل به فؤادك مثبتا بزيادة يقينه بما قصصناه عليك ووفور طمأنينته، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ في النفس وأقوى للعلم، وجملة (ما نثبت) بدل من أنباء الرسل، وهو بيان لكلا، ويجوز أن يكون (ما نثبت) مفعولا لنقص، ويكون كلا مفعولا مطلقا، والتقدير: كل أسلوب من أساليب الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك (وجاءك في هذه الحق) أي جاءك في هذه السورة، أو في هذه الأنباء البراهين القاطعة الدالة على صحة المبدأ والمعاد (وموعظة) يتعظ بها الواقف عليها من المؤمنين (وذكرى) يتذكر بها من تفكر فيها منهم، وخص المؤمنين لكونهم المتأهلين للاتعاظ والتذكر، وقيل المعنى: وجاءك في هذه الدنيا الحق، وهو النبوة، وعلى التفسير الأول يكون تخصيص هذه السورة بمجئ الحق فيها مع كونه قد جاء في غيرها من السور لقصد بيان اشتمالها على ذلك، لا بيان كونه موجودا فيها دون غيرها (وقل للذين لا يؤمنون) بهذا الحق ولا يتعظون ولا يتذكرون (اعملوا على مكانتكم) على تمكنكم وحالكم وجهتكم، وقد تقدم تحقيقه (إنا عاملون) على مكانتنا وحالنا وجهتنا من الإيمان بالحق والاتعاظ والتذكر، وفي هذا تشديد للوعيد والتهديد لهم، وكذلك قوله (وانتظروا إنا منتظرون) فيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى. والمعنى: انتظروا عاقبة أمرنا فإنا منتظرون عاقبة أمركم وما يحل بكم من عذاب الله وعقوبته (ولله غيب السماوات والأرض) أي علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما، وخص الغيب من كونه يعلم بما هو مشهود، كما يعلم بما هو مغيب، لكونه من العلم الذي لا يشاركه فيه غيره، وقيل إن غيب السماوات والأرض نزول العذاب من السماء وطلوعه من الأرض، والأول أولى، وبه قال أبو علي الفارسي وغيره، وأضاف الغيب إلى المفعول توسعا (وإليه يرجع الأمر كله) أي يوم القيامة فيجازي كلا بعمله.
وقرأ نافع وحفص " يرجع على البناء للمفعول. وقرأ الباقون على البناء للفاعل (فاعبده وتوكل عليه) فإنه كافيك كل ما تكره، ومعطيك كل ما تحب، والفاء لترتيب الأمر بالعبادة، والتوكل على كون مرجع الأمور كلها إلى الله سبحانه (وما ربك بغافل عما تعملون) بل عالم بجميع ذلك ومجاز عليه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وقرأ أهل المدينة والشام وحفص (تعملون) بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله (فلولا) قال: فهلا. وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية وأحلام ينهون عن الفساد في الأرض. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) يستقلهم الله من كل قوم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) قال: في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس: أترفوا فيه أبطروا فيه، وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسئل عن تفسير هذه الآية (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأهلها ينصف بعضهم بعضا ". وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى