الإسلام وتزهيدهم فيه، وأيكم مرفوع بالابتداء وخبره زادته. وقد تقدم بيان معنى السورة. ثم حكى الله سبحانه بعد مقالتهم هذه أن المؤمنين زادتهم إيمانا إلى إيمانهم، والحال أنهم يستبشرون مع هذه الزيادة بنزول الوحي وما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية (وأما الذين في قلوبهم مرض) وهم المنافقون (فزادتهم) السورة المنزلة (رجسا إلى رجسهم) أي خبثا إلى خبثهم الذين هم عليه من الكفر وفساد الاعتقاد، وإظهار غير ما يضمرونه وثبتوا على ذلك واستمروا عليه إلى أن ماتوا كفارا منافقين، والمراد بالمرض هنا الشك والنفاق، وقيل المعنى: زادتهم إثما إلى إثمهم. قوله (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) قرأ الجمهور " يرون " بالتحتية. وقرأ حمزة ويعقوب بالفوقية خطابا للمؤمنين. وقرأ الأعمش " أو لم يروا ". وقرأ طلحة بن مصرف " أولا ترى " خطابا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي قراءة ابن مسعود. ومعنى (يفتنون) يختبرون، قاله ابن جرير وغيره أو يبتليهم الله سبحانه بالقحط والشدة، قاله مجاهد. وقال ابن عطية بالأمراض والأوجاع. وقال قتادة والحسن بالغزو والجهاد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويرون ما وعد الله من النصر (ثم لا يتوبون) بسبب ذلك (ولا هم يذكرون) وثم لعطف ما بعدها على يرون، والهمزة في أو لا يرون للإنكار والتوبيخ، والواو للعطف على مقدر:
أي لا ينظرون ولا يرون، وهذا تعجيب من الله سبحانه للمؤمنين من حال المنافقين وتصلبهم في النفاق وإهمالهم للنظر والاعتبار، ثم ذكر الله سبحانه ما كانوا يفعلونه عند نزول السورة بعد ذكره لما كانوا يقولونه، فقال (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) أي نظر بعض المنافقين إلى البعض الآخر قائلين (هل يراكم من أحد) من المؤمنين لننصرف عن المقام الذي ينزل فيه الوحي، فإنه لا صبر لنا على استماعه، ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك، وقيل المعنى: وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم قال بعض من يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للبعض الآخر منهم: هل يراكم من أحد؟ ثم انصرفوا إلى منازلهم.
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال (نظر) في هذه الآية موضوع موضع قال: أي قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد. قوله (ثم انصرفوا) أي على ذلك المجلس إلى منازلهم، أو عن ما يقتضى الهداية والإيمان إلى ما يقتضى الكفر والنفاق، ثم دعا الله سبحانه عليهم، فقال (صرف الله قلوبهم) أي صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية، وهو سبحانه مصرف القلوب ومقلبها، وقيل المعنى: أنه خذلهم عن قبول الهداية، وقيل هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه كقولهم: قاتله الله. ثم ذكر سبحانه السبب الذي لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية، أو السبب الذي لأجله استحقوا الدعاء عليهم بقوله - صرف الله قلوبهم - فقال (بأنهم قوم لا يفقهون) ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم، ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهون عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة، فقال (لقد جاءكم) يا معشر العرب (رسول) أرسله الله إليكم له شأن عظيم (من أنفسكم) من جنسكم في كونه عربيا وإلى كون هذه الآية خطابا للعرب ذهب جمهور المفسرين. وقال الزجاج: هي خطاب لجميع العالم.
والمعنى (لقد جاءكم رسول من) جنسكم في البشرية (عزيز عليه ما عنتم) ما مصدرية. والمعنى: شاق عليه عنتكم لكونه من جنسكم ومبعوثا لهدايتكم، والعنت: التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه، أو بعذاب الآخرة بالنار، أو بمجموعهما (حريص عليكم) أي شحيح عليكم بأن تدخلوا النار، أو حريص على إيمانكم.
والأول أولى، وبه قال الفراء. والرؤوف: الرحيم، قد تقدم بيان معناهما: أي هذا الرسول (بالمؤمنين) منكم