وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة: إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي فصيحة لا قبيحة. قالوا: وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان رضي الله عنه " شركائهم " بالياء.
وأقول: دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين كما بينا ذلك في رسالة مستقلة، فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته رد عليه. ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم كما قدمنا، وكقول الشاعر:
فزججتها بمزجة * زج القلوص أبي مزاده فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها، وفي الآية قراءة رابعة وهي جد الأولاد والشركاء، ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم في النسب والميراث. قوله (ليردوهم) اللام لام كي: أي لكي يردوهم، من الإرداء وهو الإهلاك (وليلبسوا عليهم دينهم) معطوف على ما قبله: أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم (ولو شاء الله ما فعلوه) أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وإذا كان ذلك بمشيئة الله (فذرهم وما يفترون) فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبان بن عثمان قال: الذرية الأصل، والذرية النسل. وأخرجا أيضا عن ابن عباس (وما أنتم بمعجزين) قال: بسابقين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (على مكانتكم) قال: على ناحيتكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه أيضا في قوله (وجعلوا لله) الآية قال: جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا، فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشياطين في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفجر من سقى ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله نزحوه، فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقى الماء. وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله - ما جعل الله من بحيرة الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه نحوه من طريق أخرى. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: جعلوا لله مما ذرأ من الحرث جزءا ولشركائهم جزءا، فما ذهب به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني، وما ذهب به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه. والأنعام التي سموا لله: البحيرة والسائبة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خوف العيلة.
سورة الأنعام الآية (138 - 139)