يمسسك الله بضر) إلى آخرها مقررة لمضمون ما قبلها. والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع، فإن أنزل بعبده ضرا لم يستطع أحد أن يكشفه كائنا من كان، بل هو المختص بكشفه كما اختص بإنزاله (وإن يردك بخير) أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ويحول بينك وبينه كائنا من كان، وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم. قال الواحدي: إن قوله (وإن يردك بخير) هو من القلب، وأصله وإن يرد بك الخير، ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر. قال النيسابوري: وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير، والمس بجانب الشر دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات، والشر بالعرض. قلت: وفي هذا نظر فإن المس هو أمر وراء الإرادة فهو مستلزم لها، والضمير في يصيب به راجع إلى فضله: أي يصيب بفضله من يشاء من عباده، وجملة (وهو الغفور الرحيم) تذييلية ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره، فقال (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) أي القرآن (فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) أي منفعة اهتدائه مختصة به، وضرر كفره مقصور عليه لا يتعداه.
وليس لله حاجة في شئ من ذلك، ولا غرض يعود إليه (وما أنا عليكم بوكيل) أي بحفيظ يحفظ أموركم وتوكل إليه: إنما أنا بشير ونذير. ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله له ولأمته ثم أمره بالصبر على أذى الكفار وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعانيه من تلون أخلاق المشركين وتعجرفهم.
وجعل ذلك الصبر ممتدا إلى غاية هي قوله (حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) أي يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم، وفي الآخرة بعذابهم بالنار وهم يشاهدونه صلى الله عليه وآله وسلم هو وأمته، المتبعون له المؤمنون به، العاملون بما يأمرهم به، المنتهون عما ينهاهم عنه، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد، ولا يمكن وصفه.
ولا يوقف على أدنى مزاياه.
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم) يقول: عند قوم (لا يؤمنون) نسخت قوله - حكمة بالغة فما تغني النذر -. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) قال: وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال: خوفهم عذابه ونقمته وعقوبته، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا، فقال (ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا) الآية. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله (وإن يردك بخير) يقول: بعافية. وأخرج البيهقي في الشعب عن عامر بن قيس قال: ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق: أولهن (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)، والثانية - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له -، والثالثة - وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها -. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن نحوه. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله (فلا راد لفضله) قال: هو الحق المذكور في قوله (قد جاءكم الحق من ربكم). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله (واصبر حتى يحكم الله) قال: هذا منسوخ، أمره بجهادهم والغلظة عليهم.