المهاجرة إلى الله ورسوله، وأحب خبر كان: أي كانت هذه الأشياء المذكورة في الآية أحب إليكم من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيل الله (فتربصوا) أي انتظروا (حتى يأتي الله بأمره) فيكم وما تقتضيه مشيئته من عقوبتكم، وقيل المراد بأمر الله سبحانه: القتال، وقيل فتح مكة وفيه بعد، فقد روى أن هذه السورة نزلت بعد الفتح. وفي هذا وعيد شديد ويؤكده إبهام الأمر وعدم التصريح به لتذهب أنفسهم كل مذهب وتتردد بين أنواع العقوبات (والله لا يهدى القوم الفاسقين) أي الخارجين عن طاعته، النافرين عن امتثال أوامره ونواهيه.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: أمروا بالهجرة فقال العباس ابن عبد المطلب: أنا أسقى الحاج. وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر، فأنزلت (لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في هذه الآية قال: هي الهجرة. وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة (اقترفتموها) قال: أصبتموها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (حتى يأتي الله بأمره) قال: بالفتح في أمره بالهجرة، هذا كله قبل فتح مكة. وأخرج البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله - لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر - وهي تؤكد معنى هذه الآية، وقد تقدم بيان حكم الهجرة في سورة النساء.
سورة براءة الآية (25 - 27) المواطن جمع موطن، ومواطن الحرب: مقاماتها، والمواطن التي نصر الله المسلمين فيها هي يوم بدر وما بعد من المواطن التي نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين، (ويوم حنين) معطوف على مواطن بتقدير مضاف: إما في الأول وتقديره في أيام مواطن، أو في الثاني وتقديره ومواطن يوم حنين، لئلا يعطف الزمان على المكان. ورد بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان فلا يحتاج إلى تقدير، وقيل إن يوم حنين منصوب بفعل مقدر معطوف على (نصركم) أي ونصركم يوم حنين، ورجح هذا صاحب الكشاف، قال: وموجب ذلك أن قوله (إذ أعجبتكم) بدل من يوم حنين، فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح، لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن، ولم يكونوا كثيرا في جميعها. ورد بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف، كما تقول: جاءني زيد وعمرو مع قومه، أو في ثيابه أو على فرسه، وقيل إن (إذ أعجبتكم كثرتكم) ليس ببدل من يوم حنين، بل منصوب بفعل مقدر: أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم، وحنين: واد بين مكة والطائف، وانصرف على أنه اسم للمكان، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة، ومنه قول الشاعر: