سورة براءة الآية (7 - 11) قوله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار، وعهد اسم يكون. وفي خبره ثلاثة أوجه: الأول أنه كيف، وقدم للاستفهام، والثاني للمشركين، وعند على هذين ظرف للعهد، أو ليكون، أو صفة للعهد، والثالث أن الخبر عند الله، وفي الآية إضمار. والمعنى: كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه، وقيل معنى الآية: محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم مضمرون للغدر فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدثوا به أنفسهم، ثم استدرك، فقال (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) أي لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم، فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم (فاستقيموا لهم) قيل هم بنو بكر، وقيل بنو كنانة وبنو ضمرة، وفي " ما " وجهان:
أحدهما أنها مصدرية زمانية، والثاني أنها شرطية، وفي قوله (إن الله يحب المتقين) إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين، فيكون تعليلا للأمر بالاستقامة. قوله (كيف وإن يظهروا عليكم) أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير، والتقدير: كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم (لا يرقبوا) أي لا يراعوا فيكم (إلا) أي عهدا (ولا ذمة). قال في الصحاح: الإل العهد والقرابة ومنه قول حسان:
لعمرك أن إلك من قريش * كإل السقب من رئل النعام قال الزجاج: الإل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة، ومنه الإلة للحربة، ومنه أذن مؤللة:
أي محددة، ومنه قوله طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب:
مؤللتان يعرف العنق منهما * كسامعتي شاة بحومل مفرد قال أبو عبيدة: الإل العهد، والذمة والنديم. وقال الأزهري: هو اسم لله بالعبرانية، وأصله من الأليل، وهو البريق، يقال أل لونه يول إلا: أي صفا ولمع، والذمة العهد، وجمعها ذمم، فمن فسر الإل بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين، وقال أبو عبيدة: الذمة التذمم. وقال أبو عبيد: الذمة الأمان كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ويسعى بذمتهم أدناهم " وروى عن أبي عبيدة أيضا أن الذمة ما يتذمم به: أما يجتنب فيه الذم. قوله (يرضونكم بأفواههم) أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتهم وتطييب قلوبكم