سورة الأنعام الآية (72 - 73) قوله (وكذب به قومك) الضمير راجع إلى القرآن أو إلى العذاب. وقومه المكذبون: هم قريش. وقيل كل معاند، وجملة (وهو الحق) في محل نصب على الحال: أي كذبوا بالقرآن أو العذاب، والحال أنه حق. وقرأ ابن أبي عبلة (وكذبت) بالتاء (قل لست عليكم بوكيل) أي لست بحفيظ على أعمالكم حتى أجازيكم عليها. قيل وهذه الآية منسوخة بآية القتال، وقيل ليست بمنسوخة إذ لم يكن إيمانهم في وسعه. قوله (لكل نبأ مستقر) أي لكل شئ وقت يقع فيه. والنبأ: الشئ الذي ينبأ عنه، وقيل المعنى: لكل عمل جزاء. قال الزجاج: يجوز أن يكون وعيدا لهم بما ينزل بهم في الدنيا. وقال الحسن: هذا وعيد من الله للكفار، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث (وسوف تعلمون) ذلك بحصوله ونزوله بهم كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوعدهم به.
قوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو لكل من يصلح له. والخوض: أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء، فاستعير من المحسوس للمعقول، وقيل هو مأخوذ من الخلط. وكل شئ خضته فقد خلطته، ومنه خاض الماء بالعسل:
خلطه. والمعنى: إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك.
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة. فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم. وذلك يسير عليه غير عسير. وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة. فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر.
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصى الله بفعل شئ من المحرمات، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر قوله (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى) " إما " هذه هي الشرطية وتلزمها غالبا نون التأكيد ولا تلزمها نادرا ومنه قول الشاعر:
إما يصبك عدو في منازله * يوما فقل كيف يستعلى وينتصر وقرأ ابن عباس " ينسيك " بتشديد السين، ومثله قول الشاعر * وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل * والمعنى: إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت (مع القوم الظالمين) أي الذين