الكافرون ذلك. تم إن الله سبحانه جاء بكلام يبطل به العجب الذي حصل للكفار من الإيحاء إلى رجل منهم فقال (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) أي من كان له هذا الاقتدار العظيم الذي تضيق العقول عن تصوره كيف يكون إرساله لرسول إلى الناس من جنسهم محلا للتعجب مع كون الكفار يعترفون بذلك، فيكف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة بهذا الرسول، وقد تقدم تفسير هذه الآية في الأعراف في قوله - إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش - فلا نعيده هنا، ثم ذكر ما يدل على مزيد قدرته وعظيم شأنه فقال (يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) وترك العاطف، لأن جملة يدبر كالتفسير والتفصيل لما قبلها، وقيل هي في محل نصب على الحال من ضمير استوى، وقيل مستأنفة جواب سؤال مقدر، وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المقبول، وقال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده، وقيل يبعث الأمر، وقيل ينزل الأمر، وقيل يأمر به ويمضيه، والمعنى متقارب، واشتقاقه من الدبر، والأمر الشأن، وهو أحوال ملكوت السماوات والأرض والعرش وسائر الخلق، قال الزجاج: إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله، فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شئ إلا بعد إذنه، لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب. وقد تقدم معنى الشفاعة في البقرة، وفي هذا بيان لاستبداده بالأمور في كل شئ سبحانه وتعالى، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى فاعل هذه الأشياء من الخلق والتدبير: أي الذي فعل هذه الأشياء العظيمة (الله ربكم) واسم الإشارة مبتدأ وخبره الاسم الشريف، وربكم بدل منه أو بيان له أو خبر ثان، وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) ثم أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن بين لهم أنه الحقيق بها دون غيره لبديع صنعه وعظيم اقتداره، فكيف يعبدون الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر؟ والاستفهام في قوله (أفلا تذكرون) للإنكار والتوبيخ والتقريع، لأن من له أدنى تذكر وأقل اعتبار يعلم بهذا ولا يخفى عليه، ثم بين لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا، فقال (إليه مرجعكم جميعا) وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى، وانتصاب (وعد الله) على المصدر، لأن في قوله (إليه مرجعكم جميعا) معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر، والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه إما بالموت أو بالبعث أو بكل واحد منهما، ثم أكد ذلك الوعد بقوله (حقا) فهو تأكيد لتأكيد فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك. وقرأ ابن أبي عبلة (وعد الله حق) على الاستئناف، ثم علل سبحانه ما تقدم بقوله (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) أي إن هذا شأنه يبتدئ خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب، أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة. قال مجاهد: ينشئه ثم يميته، ثم يحييه للبعث، وقيل ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال. وقرأ يزيد بن القعقاع: أنه يبدأ الخلق بفتح الهمزة، فتكون الجملة في موضع نصب بما نصب به وعد الله: أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق، وأجاز الفراء أن تكون " أن " في موضع رفع فتكون اسما. قال أحمد بن يحيى بن ثعلب يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق، ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال (ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط) أي بالعدل الذي لا جور فيه (والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفا على الموصول الأول: أي ليجزى الذين آمنوا ويجزى الذين كفروا وتكون جملة (لهم شراب من حميم) في محل نصب على الحال هي وما عطف عليها: أي وعذاب أليم ويكون التقدير هكذا ويجزى الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب، ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء، ويمكن أن يقال: إن الموصول في (والذين كفروا) مبتدأ وما بعده خبره، فلا يكون معطوفا
(٤٢٣)