فقربوه إلى النار فلم تأت، فقال فيكم الغلول، فدعا رؤوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده، فقال: الغلول عندك فأخرجه، فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ، فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن.
سورة المائدة الآية (27 إلى 31) وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه، فالداء قديم، والشر أصيل.
وقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا؟ فذهب الجمهور إلى الأول. وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني، وقالا: إنهما كانا من بني إسرائيل فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود، وكانت بينهما خصومة فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل. قال ابن عطية: وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدى بالغراب؟ قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم: واسمهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل، لأنه كان صاحب زرع واختارها من أردأ زرعه، حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها، وكان قربان هابيل كبشا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه، فتقبل قربان هابيل فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام، كذا قال جماعة من السلف، ولم يتقبل قربان قابيل.
فحسده وقال لأقتلنك. وقيل سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى. إلا شيثا عليه السلام فإنها ولدته منفردا، وكان آدم عليه السلام يزوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر. ولا تحل له أخته التي ولدت معه، فولدت مع قابيل أخت جميلة واسمها إقليما، ومع هابيل أخت ليست كذلك واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر، فاتفقوا على القربان وأنه يتزوجها من تقبل قربانه. قوله (بالحق) متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر (واتل) أي تلاوة متلبسة بالحق.
أو صفة لنبأ: أي نبأ متلبسا بالحق، والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل. و (قال لأقتلنك) استئناف بياني كأنه فماذا قال الذي لم يتقبل قربانه؟ وقوله (قال إنما يتقبل الله من المتقين) استئناف كالأول كأنه قيل: فماذا قال الذي تقبل قربانه؟ وإنما للحصر: أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم، وكأنه يقول لأخيه: إنما أتيت