وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله (ألا له الخلق والأمر) قال: الخلق ما دون العرش، والأمر ما فوق ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال: الخلق هو الخلق، والأمر هو الكلام.
سورة الأعراف الآية (55 - 58) أمرهم الله سبحانه بالدعاء، وقيد ذلك بكون الداعي متضرعا بدعائه مخفيا له، وانتصاب (تضرعا وخفية) على الحال: أي متضرعين بالدعاء مخفين له، أو صفة مصدر محذوف: أي ادعوه دعاء تضرع ودعاء خفية.
والتضرع من الضراعة، وهي الذلة والخشوع والاستكانة، والخفية: الإسرار به، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء، وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص، ثم علل ذلك بقوله (إنه لا يحب المعتدين) أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شئ، فمن جاوز ما أمره الله به في شئ من الأشياء فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا. ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محال في نفسه، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به. قوله (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه قليلا كان أو كثيرا، ومنه قتل الناس وتخريب منازلهم وقطع أشجارهم وتغوير أنهارهم. ومن الفساد في الأرض الكفر بالله والوقوع في معاصيه، ومعنى (بعد إصلاحها): بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتقرير الشرائع. قوله (وادعوه خوفا وطمعا) إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في (تضرعا وخفية) وفيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفا وجلا طامعا في إجابة الله لدعائه، فإنه إذا كان عند الدعاء جامعا بين الخوف والرجاء ظفر بمطلوبه. والخوف: الانزعاج من المضار التي لا يؤمن من وقوعها، والطمع: توقع حصول الأمور المحبوبة. قوله (إن رحمت الله قريب من المحسنين) هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم، وفى هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عبادة الله.
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله حيث قال قريب ولم يقل قريبة، فقال الزجاج:
إن الرحمة مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران، ورجح هذا التأويل النحاس، وقال النضر بن شميل: الرحمة مصدر بمعنى الترحم، وحق المصدر التذكير. وقال الأخفش سعيد: أراد بالرحمة هنا المطر، وتذكير بعض المؤنث جائز، وأنشد: