الشك فيه على اختلاف التفاسير في الشاك هو الحق الذي لا يخالطه باطل ولا تشوبه شبهة، ثم عقبه بالنهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الامتراء فيما أنزل الله عليه، بل يستمر على ما هو عليه من اليقين وانتفاء الشك. ويمكن أن يكون هذا النهي له تعريضا لغيره كما في مواطن من الكتاب العزيز، وهكذا القول في نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن التكذيب بآيات الله، فإن الظاهر فيه التعريض ولا سيما بعد تعقيبه بقوله - فتكون من الخاسرين - وفى هذا التعريض من الزجر للممترين والمكذبين ما هو أبلغ وأوقع من النهي لهم أنفسهم، لأنه إذا كان بحيث ينهى عنه من لا يتصور صدوره عنه، فكيف بمن يمكن منه ذلك. قوله (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) قد تقدم مثله في هذه السورة، والمعنى: أنه حق عليهم قضاء الله وقدره بأنهم يصرون على الكفر ويموتون عليه لا يقع منهم الإيمان بحال من الأحوال، وإن وقع منهم ما صورته صورة الإيمان كمن يؤمن منهم عند معاينة العذاب فهو في حكم العدم (ولو جاءتهم كل آية) من الآيات التكوينية والتنزيلية، فإن ذلك لا ينفعهم لأن الله سبحانه قد طبع على قلوبهم وحق منه القول عليهم (حتى يروا العذاب الأليم) فيقع منهم ما صورته صورة الإيمان وليس بإيمان.
ولا يترتب عليه شئ من أحكامه. قوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها) لولا هذه هي التحضيضية التي بمعنى هلا كما قال الأخفش والكسائي وغيرهما، ويدل على ذلك ما في مصحف أبي وابن مسعود " فهلا قرية " والمعنى: فهلا قرية واحدة من هذه القرى التي أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به، وذلك بأن يكون خالصا لله قبل معاينة عذابه ولم يؤخره كما أخره فرعون، والاستثناء بقوله (إلا قوم يونس) منقطع، وهو استثناء من القرى لأن المراد أهلها: والمعنى: لكن قوم يونس (لما آمنوا) إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم (كشفنا عنهم عذاب الخزي) وقد قال بأن هذا الاستثناء منقطع جماعة من الأئمة منهم الكسائي والأخفش:
والفراء، وقيل يجوز أن يكون متصلا، والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وانتصابه على أصل الاستثناء. وقرئ بالرفع على البدل. وقال الزجاج في توجيه الرفع: يكون المعنى غير قوم يونس، ولكن حملت إلا عليها وتعذر جعل الإعراب عليها، فأعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير قال ابن جرير: خص قوم يونس من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب، وحكى ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجاج: إنه لم يقع العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان، وهذا أولى من قول ابن جرير، والمراد بعذاب الخزي الذي كشفه الله عنهم، وهو العذاب الذي كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه، أو الذي قد رأوا علاماته دون عينه (ومتعناهم إلى حين) أي بعد كشف العذاب عنهم متعهم الله في الدنيا إلى حين معلوم قدره لهم. ثم بين سبحانه أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره، فقال (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم) بحيث لا يخرج عنهم أحد (جميعا) مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون، ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه، وانتصاب جميعا على الحال كما قال سيبويه. قال الأخفش: جاء بقوله جميعا بعد كلهم للتأكيد كقوله - لا تتخذوا إلهين اثنين - ولما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون، لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك، فقال (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) فإن ذلك ليس في وسعك يا محمد ولا داخل تحت قدرتك، وفي هذا تسلية له صلى الله عليه وآله وسلم ودفع لما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل، الذي لو كان لم يكن صلاحا محققا بل يكون إلى الفساد أقرب، ولله الحكمة البالغة. ثم بين سبحانه ما تقدم بقوله (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) أي ما صح وما استقام لنفس