وضلالة لا يرجع إلى شئ من العلم، ثم أمرهم الله أن يتركوا ظاهر الإثم وباطنه. والظاهر: ما كان يظهر كأفعال الجوارح، والباطن: ما كان لا يظهر كأفعال القلب، وقيل ما أعلنتم وما أسررتم، وقيل الزنا الظاهر والزنا المكتوم. وأضاف الظاهر والباطن إلى الإثم لأنه يتسبب عنهما، ثم توعد الكاسبين للإثم بالجزاء بسبب افترائهم على الله سبحانه.
وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله فأنزل الله (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) إلى قوله (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون). وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) فإنه حلال (إن كنتم بآياته) يعني القرآن (مؤمنين) قال: مصدقين (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) يعني الذبائح (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) يعني ما حرم عليكم من الميتة (وإن كثيرا) يعني من مشركي العرب (ليضلون بأهوائهم بغير علم) يعني في أمر الذبائح.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (إلا ما اضطررتم إليه) أي من الميتة والدم ولحم الخنزير. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وذروا ظاهر الإثم) قال: هو نكاح الأمهات والبنات (وباطنه) قال: هو الزنا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الظاهر منه - لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء - و - حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم - الآية، والباطن: الزنا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: علانيته وسره.
سورة الأنعام الآية (120 - 121) نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه. وفيه دليل على تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب ابن عمر ونافع مولاه والشعبي وابن سيرين وهو رواية عن مالك وعن أحمد بن حنبل، وبه قال أبو ثور وداود الظاهري أن ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية، ولقوله تعالى في آية الصيد - فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه -، ويزيد هذا الاستدلال تأكيدا قوله سبحانه في هذه الآية (وإنه لفسق).
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية في الصيد وغيره. وذهب الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء ابن أبي رباح، وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير الله وهو تخصيص للآية بغير مخصص. وقد روى أبو داود في المرسل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر ". وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية، نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن قوما يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا " يفيد أن التسمية عند الأكل تجزئ مع التباس وقوعها