سورة المائدة (74 - 75) قوله (على شئ) فيه تحقير وتقليل لما هم عليه: أي لستم على شئ يعتد به حتى تقيموا التوراة والإنجيل:
أي تعملوا بما فيهما من أوامر الله ونواهيه التي من جملتها أمركم باتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونهيكم عن مخالفته. قال أبو علي الفارسي: ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما. قوله (وما أنزل إليكم من ربكم) قيل هو القرآن، فإن إقامة الكتابين لا تصح بغير إقامته، ويجوز أن يكون المراد ما أنزل إليهم على لسان الأنبياء من غير الكتابين. قوله (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) أي كفرا إلى كفرهم وطغيانا إلى طغيانهم، والمراد بالكثير منهم من لم يسلم، واستمر على المعاندة، وقيل المراد به العلماء منهم، وتصدير هذه الجملة بالقسم لتأكيد مضمونها. قوله (فلا تأس على القوم الكافرين) أي دع عنك التأسف عل هؤلاء، فإن ضرر ذلك راجع إليهم ونازل بهم، وفى المتبعين لك من المؤمنين غنى لك عنهم. قوله (إن الذين آمنوا) الخ، جملة مستأنفة لترغيب من عداهم من المؤمنين. والمراد بالمؤمنين هنا الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون (والذين هادوا) أي دخلوا في دين اليهود (والصابون) مرتفع على الابتداء وخبره محذوف، والتقدير: والصابون والنصارى كذلك. قال الخليل وسيبويه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك، وأنشد سيبويه، قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق أي وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، ومثله قوله قول ضابي البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإني وقيار بها لغريب أي فإني لغريب وقيار كذلك. وقال الكسائي والأخفش: إن الصابون معطوف على المضمر في هادوا. قال النحاس: سمعت الزجاج يقول وقد ذكر له قول الكسائي والأخفش: هذا خطأ من وجهين: أحدهما أن المضمر المرفوع لا يعطف عليه حتى يؤكد. وثانيهما أن المعطوف شريك المعطوف عليه. فيصير المعنى: إن الصابئين قد دخلوا في اليهودية، وهذا محال. وقال الفراء: إنما جاز الرفع لأن إن ضعيفة فلا تؤثر إلا في الاسم دون الخبر، فعلى هذا هو عنده معطوف على محل اسم إن، أو على مجموع إن واسمها، وقيل إن خبر إن مقدر، والجملة الآتية خبر الصابئون والنصارى، كما في قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأي مختلف وقيل إن إن هنا بمعنى نعم: فالصابون مرتفع بالابتداء. ومثله قول قيس بن الرقيات:
بكر العواذل في الصباح * يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك * وقد كبرت فقلت إنه الأخفش: إنه بمعنى نعم والهاء للسكت. وقد تقدم الكلام على الصابئين والنصارى في البقرة، وقرئ الصابيون بياء صريحة تخفيفا للهمزة، وقرئ الصابون بدون ياء، وهو من صبا يصبو لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى، وقرئ " والصابئين " عطفا على اسم إن قوله (من آمن بالله) مبتدأ خبره (فلا خوف عليهم ولا هم