أصله من شد النهار: أي ارتفع. وقال سيبويه: واحده شدة. قال الجوهري: وهو حسن في المعنى، لأنه يقال بلغ الكلام شدته، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل. قوله (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) أي بالعدل في الأخذ والإعطاء عند البيع والشراء (لا نكلف نفسا إلا وسعها) أي إلا طاقتها في كل تكليف من التكاليف، ومنه التكليف بإيفاء الكيل والوزن، فلا يخاطب المتولي لهما بما لا يمكن الاحتراز عنه في الزيادة والنقصان (وإذا قلتم فاعدلوا) أي إذا قلتم بقول في خبر أو شهادة أو جرح أو تعديل فاعدلوا فيه وتحروا الصواب، ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو، بل سووا بين الناس فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به، والضمير في (ولو كان) راجع إلى ما يفيده " وإذا قلتم " فإنه لابد للقول من مقول فيه، أو مقول له: أي ولو كان المقول فيه، أو القول له (ذا قربى) أي صاحب قرابة لكم. وقيل إن المعنى: ولو كان الحق على مثل قراباتكم والأول أولى، ومثل هذه الآية قوله - ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين -. قوله (وبعهد الله أوفوا) أي أوفوا بكل عهد عهده الله إليكم، ومن جملة ما عهده إليكم ما تلاه عليكم رسوله بأمره في هذا المقام، ويجوز أن يراد به كل عهد ولو كان بين المخلوقين، لأن الله سبحانه لما أمر بالوفاء به في كثير من الآيات القرآنية كان ذلك مسوغا لإضافته إليه، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى ما تقدم ذكره (وصاكم به) أمركم به أمرا مؤكدا (لعلكم تذكرون فتتعظون بذلك. قوله (وأن هذا صراطي مستقيما) أي في موضع نصب: أي واتل أن هذا صراطي قاله الفراء والكسائي. قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضا: أي وصاكم به، وبأن هذا. وقال الخليل وسيبويه: إن التقدير ولأن هذا صراطي مستقيما كما في قوله سبحانه - وأن المساجد لله -. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي (وإن هذا) بكسر الهمزة على الاستئناف، والتقدير: الذي ذكر في هذه الآيات صراطي. وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب (وإن هذا صراطي) بالتخفيف على تقدير ضمير الشأن. وقرأ الأعمش (وهذا صراطي) وفي مصحف عبد الله بن مسعود (وهذا صراط ربكم) وفي مصحف أبي (وهذا صراط ربك) والصراط: الطريق، وهو طريق دين الإسلام، ونصب مستقيما على الحال، والمستقيم المستوى الذي لا اعوجاج فيه، ثم أمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع سائر السبل: أي الأديان المتباينة طرقها (فتفرق بكم) أي تميل بكم (عن سبيله) أي عن سبيل الله المستقيم الذي هو دين الإسلام. قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد، والإشارة ب (ذلكم) إلى ما تقدم وهو مبتدأ وخبره (وصاكم به) أي أكد عليكم الوصية به (لعلكم تتقون) ما نهاكم عنه.
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا (قل تعالوا) إلى ثلاث آيات، ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه ". وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب الأحبار قال: أول ما أنزل في التوراة عشر آيات، وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) إلى آخرها. وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي ابن الخيار قال: سمع كعب رجلا يقرأ (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا) فقال كعب: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة: بسم الله الرحمن الرحيم (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) إلى آخر الآيات