(اتقوا) الشرك (وآمنوا) بالله ورسوله (ثم اتقوا) الكبائر (وآمنوا) أي ازدادوا إيمانا (ثم اتقوا) الصغائر (وأحسنوا) أي تنفلوا. قال ابن جرير الطبري: الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل، والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: نزل في الخمر ثلاث آيات، فأول شئ - يسألونك عن الخمر والميسر - الآية، فقيل حرمت الخمر، فقيل يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية - لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى -، فقيل حرمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " حرمت الخمر " وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات وذكر نحو حديث ابن عمر، فقال الناس: يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان، فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا) الآية، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر، صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا ناسا فأتوه، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر، وذلك قبل تحرم الخمر فتفاخروا، فقالت الأنصار: الأنصار خير من المهاجرين، وقالت قريش: قريش خير، فأهوى رجل بلحي جمل فضرب على أنفي، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فنزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) الآية. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا، فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته، فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) إلى قوله (فهل أنتم منتهون) فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد، فأنزل الله هذه الآية (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية. وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: الميسر هو القمار كله. وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر متى حرمت الخمر؟ قال: بعد أحد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة، بعد غزوة الأحزاب. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر. وأخرج عبد بن حميد عن علي قال: الشطرنج ميسر الأعاجم. وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد أنه سئل عن النرد أهي من الميسر؟ قال: كل من ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من ميسر. وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في الشعب عنه أيضا أنه قيل له: هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج؟ قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر. وأخرجوا أيضا عن ابن الزبير قال:
يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير، والله يقول في كتابه (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر)