هي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها: أي من له النصر في دار الدنيا، ومن له وراثة الأرض، ومن له الدار الآخرة. وقال الزجاج: معنى مكانتكم: تمكنكم في الدنيا، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم، وقيل على ناحيتكم وقيل على موضعكم. قرأ حمزة والكسائي من يكون بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية. والضمير في (إنه لا يفلح الظالمون) للشأن: أي لا يفلح من اتصف بصفة الظلم، وهو تعريض لهم بعدم فلاحهم لكونهم المتصفين بالظلم.
قوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا)، وهو بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وتأثيرهم لآلهتهم على الله سبحانه: أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم نصيبا ولآلهتهم نصيبا من ذلك يصرفونه في سدنتها والقائمين بخدمتها، فإذا ذهب ما لآلهتهم بانفاقه في ذلك عوضوا عنه ما جعلوه لله، وقالوا: الله غني عن ذلك، والزعم الكذب. قرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش والكسائي (بزعمهم) بضم الزاي، وقرأ الباقون بفتحها، وهما لغتان (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله) أي إلى المصارف التي شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم، وقرى الضيف (وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم) أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحها (ساء ما يحكمون) أي ساء الحكم حكمهم في إيثار آلهتهم على الله سبحانه، وقيل معنى الآية: أنهم كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله، فهذا معنى الوصول إلى الله، والوصول إلى شركائهم، وقد قدمنا الكلام في ذرأ. قوله (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) أي ومثل ذلك التزيين الذي زينه الشيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم زين لهم قتل أولادهم. قال الفراء والزجاج: شركاؤهم ها هنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان، وقيل هم الغواة من الناس، وقيل هم الشياطين، وأشار بهذا إلى الوأد، وهو دفن البنات مخافة السبي والحاجة، وقيل كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرن أحدهم كما فعله عبد المطلب. قرأ الجمهور " زين " بالبناء للفاعل ونصب " قتل " على أنه مفعول زين، وجر أولاد بإضافة قتل إليه، ورفع " شركاؤهم " على أنه فاعل زين، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل، وخفض أولاد، ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل، ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه: أي زينة شركاؤهم، ومثله قول الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة * ومختبط ما تطيح الطوائح أي يبكيه ضارع. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بضم الزاي، ورفع قتل. ونصب أولاد، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم، ومعموله أولادهم، ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه قول الشاعر:
تمر على ما تستمر وقد شفت * علائل عبد القيس منها صدورها بجر صدورها، والتقدير: شفت عبد القيس علائل صدورها. قال النحاس: إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف، وهو أي الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد. وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي: إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز في العربية وهي زلة عالم، وإذا زل العالم لم يجز اتباعه ورد قوله إلى الإجماع، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف كقول الشاعر:
كما خط الكتاب بكف يوما * يهودي يقارب أو يزيل وقول الآخر:
لله در اليوم من لامها