يحزنون) والمبتدأ وخبره خبر لإن، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والعائد إلى اسم إن محذوف: أي من آمن منهم، ويجوز أن يكون من آمن بدلا من اسم إن وما عطف عليه، ويكون خبر إن (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) " والمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين كما قدمنا: أن من آمن من هذه الطوائف إيمانا خالصا على الوجه المطلوب وعمل عملا صالحا، فهو الذي لا خوف عليه ولا حزن، وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا جميع أهل الإسلام: المخلص والمنافق، فالمراد بمن آمن من اتصف بالإيمان الخالص واستمر عليه، ومن أحدث إيمانا خالصا بعد نفاقه. قوله (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة.
وقد تقدم في البقرة بيان معنى الميثاق (وأرسلنا إليهم رسلا) ليعرفوهم بالشرائع وينذروهم (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) جملة شرطية وقعت جوابا لسؤال ناس من الأحبار بإرسال الرسل كأنه قيل: ماذا فعلوا بالرسل؟ وجواب الشرط محذوف: أي عصوه. وقوله (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) جملة مستأنفة أيضا جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأول كأنه قيل: كيف فعلوا بهم (فقيل فريقا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر، وفريقا آخر منهم قتلوهم، وإنما قال (وفريقا يقتلون) لمراعاة رؤوس الآي، فمن كذبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء، وممن قتلوه زكريا ويحيى. قوله (وحسبوا أن لا تكون فتنة) أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختيار بالشدائد اعتزازا بقولهم (نحن أبناء الله وأحباؤه). قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (تكون) بالرفع على أن أن هي المخففة من الثقيلة، وحسب بمعنى علم، لأن أن معناه التحقيق.
وقرأ الباقون بالنصب على أن أن ناصبة للفعل، وحسب بمعنى الظن، قال النحاس: والرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجود، ومثله:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي قوله (فعموا وصموا) أي عموا عن أبصار الهدى، وصموا عن استماع الحق، وهذه إشارة إلى ما وقع من بني إسرائيل في الابتداء من مخالفة أحكام التوراة، وقتل شعيا، ثم تاب الله عليهم حين تابوا، فكشف عنهم القحط (ثم عموا وصموا كثير منهم) وهذا إشارة إلى ما وقع منهم بعد التوبة من قتل يحيى بن زكريا وقصدهم قتل عيسى، وارتفاع (كثير) على البدل من الضمير في الفعلين. قال الأخفش: كما تقول رأيت قومك ثلاثتهم، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ: أي العمى والصم كثير منهم، ويجوز أن يكون كثير مرتفعا على الفاعلية على لغة من قال: أكلوني البراغيث، ومنه قول الشاعر:
ولكن دفافي أبوه وأمه * بحوران يعصرن السليط أقاربه وقرئ (عموا وصموا) بالبناء للمفعول: أي أعماهم الله وأصمهم. قوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض فضائح أهل الكتاب، والقائلون بهذه المقالة هم فرقة منهم:
يقال لهم اليعقوبية، وقيل هم الملكانية، قالوا: إن الله عز وجل حل في ذات عيسى، فرد الله عليهم بقوله (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم) أي والحال أنه قد قال المسيح هذه المقالة، فكيف يدعون الإلهية لمن يعترف على نفسه بأنه عبد مثلهم؟ قوله (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) الضمير للشأن، وهذا كلام مبتدأ يتضمن بيان أن الشرك يوجب تحريم دخول الجنة، وقيل هو من قول عيسى (وما للظالمين من أنصار) ينصرونهم فيدخلونهم الجنة أو يخلصونهم من النار. قوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وهذا كلام أيضا مبتدأ لبيان بعض مخازيهم. والمراد بثالث ثلاثة واحد من ثلاثة، ولهذا يضاف إلى ما بعده، ولا يجوز فيه