قوله (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) يعني بالجنة، ثم قال (التائبون) إلى قوله (والحافظون لحدود الله) يعني القائمين على طاعة الله، وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد، وإذا وفوا لله بشرطه وفي لهم بشرطهم.
سورة براءة الآية (113 - 114) لما بين الله سبحانه في أول السورة وما بعده أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة بين سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيدا، وصرح بأن ذلك متحتم، ولو كانوا أولى قربى، وأن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها. وقد ذكر أهل التفسير أن " ما كان " في القرآن يأتي على وجهين: الأول على النفي نحو - ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله -، والآخر على معنى النهي نحو - ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله - و (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار، وتحريم الاستغفار لهم، والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا، ولا ينافي هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين، وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول، فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة، وسيأتي، فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما في صحيح مسلم عن عبد الله، قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر نبيا قبله شجه قومه، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبر عنه بأنه قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. قوله (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار، والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا، وعدم الاعتداء بالقرابة لأنهم ماتوا على الشرك، وقد قال سبحانه - إن الله لا يغفر أن يشرك به - فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده. قوله (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) الآية: ذكر الله سبحانه السبب في استغفار إبراهيم لأبيه أنه كان لأجل وعد تقدم من إبراهيم لأبيه بالاستغفار له، ولكنه ترك ذلك وتبرأ منه لما تبين له أنه عدو لله، وأنه غير مستحق للاستغفار، وهذا يدل على أنه إنما وعده قبل أن يتبين له أنه من أهل النار، ومن أعداء الله، فلا حاجة إلى السؤال الذي يورده كثير من المفسرين أنه كيف خفى ذلك على إبراهيم فإنه لم يخف عليه تحريم الاستغفار لمن أصر على الكفر ومات عليه، وهو لم يعلم ذلك إلا بإخبار الله سبحانه له بأنه عدو الله، فإن ثبوت هذه العداوة تدل على الكفر، وكذلك لم يعلم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم ذلك إلا بعد أن أخبره الله بهذه الآية، وهذا حكم إنما يثبت بالسمع لا بالعقل. وقيل المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه إلى الإسلام، وهو ضعيف جدا. وقيل المراد بالاستغفار في هذه الآية النهي عن الصلاة على جنائز الكفار، فهو كقوله - ولا تصل على أحد منهم مات أبدا - ولا حاجة إلى تفسير الاستغفار بالصلاة ولا ملجئ إلى ذلك ثم ختم الله سبحانه هذه الآية بالثناء العظيم على إبراهيم، فقال (إن إبراهيم لأواه) وهو كثير التأوه كما تدل على ذلك صيغة المبالغة.