عن كثير من الذنوب. وأخرج ابن جرير عن السدى قال (سبل السلام) هي سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه وابتعث به رسله: وهو الإسلام.
سورة المائدة الآية (17 - 18) ضمير الفصل في قوله (هو المسيح) يفيد الحصر، قيل وقد قال بذلك بعض طوائف النصارى، وقيل لم يقل به أحد منهم، ولكن استلزم قولهم (إن الله هو المسيح) لا غيره، وقد تقدم في آخر سورة النساء ما يكفي ويغنى عن التكرار. قوله (قل فمن يملك من الله شيئا) الاستفهام للتوبيخ والتقريع، والملك، والملك: الضبط والحفظ والقدرة، من قولهم ملكت على فلان أمره: أي قدرت عليه: أي فمن يقدر أن يمنع (إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك فلا إله إلا الله ولا رب غيره ولا معبود بحق سواه، ولو كان المسيح إلها كما تزعم النصارى لكان له من الأمر شئ، ولقدر على أن يدفع عن نفسه أقل حال ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها، وتخصيصها بالذكر مع دخولها في عموم من في الأرض لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها، فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها أعجز عن أن يدفع عن غيرها، وذكر من في الأرض للدلالة على شمول قدرته، وأنه إذا أراد شيئا كان لا معارض له في أمره ولا مشارك له في قضائه (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما) أي ما بين النوعين من المخلوقات. قوله (يخلق ما يشاء) جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خالق الخلق بحسب مشيئته، وأنه يقدر على كل شئ لا يستصعب عليه شئ. قوله (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير حيث قالوا - عزير ابن الله - وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا - المسيح ابن الله - وقيل هو على حذف مضاف: أي نحن أتباع أبناء الله، وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأماني العاطلة، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد عليهم، فقال (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) أي إن كنتم كما تزعمون. فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك لقولكم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون، والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون، فهذا يدل على أنكم كاذبون في هذه الدعوى. وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف. قوله (بل أنتم بشر ممن خلق) عطف على مقدر يدل عليه الكلام: أي فلستم حينئذ كذلك (بل أنتم بشر ممن خلق) أي من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشر، ويجازى كل عامل بعمله (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء