في اعتذارهم، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا عرف أنه لا يصدق ترك الاعتذار. وجملة (قد نبأنا الله من أخباركم) تعليلية للتي قبلها: أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم، وإنما خص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالجواب عليهم، فقال (قل لا تعتذروا) مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأسهم، والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير، ويحتمل أن يكون المراد بالضمير في قوله (إليكم) هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التأويل المشهور في مثل هذا. قوله (وسيرى الله عملكم) أي ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشر أم تبقون عليه؟.
وقوله (ورسوله) معطوف على الاسم الشريف، ووسط مفعول الرؤية إيذانا، بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شر هي التي يدور عليها الإثابة أو العقوبة، وفي جملة (ثم تردون إلى عالم الغيب) إلى آخرها تخويف شديد، لما هي مشتملة عليه من التهديد، ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر، لإشعار ذلك بإحاطته بكل شئ يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به، وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه، ثم ذكر أن هؤلاء المعتذرين بالباطل سيؤكدون إن ما جاءوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين إليهم من الغزو، وغرضهم من هذا التأكيد هو أن يعرض المؤمنون عنهم فلا يوبخونهم ولا يؤاخذونهم بالتخلف ويظهرون الرضا عنهم كما يفيده ذكر الرضا من بعد، وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدل عليه، وهو اعتذارهم الباطل، وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به تركهم والمهاجرة لهم، لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم، كما تفيده جملة (إنهم رجس) الواقعة علة للأمر بالإعراض. والمعنى: أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة، فكأنها قد صيرت ذواتهم رجسا، أو أنهم ذوو رجس: أي ذوو أعمال قبيحة، ومثله - إنما المشركون نجس - وهؤلاء لما كانوا هكذا كانوا غير متأهلين لقبول الإرشاد إلى الخير والتحذير من الشر، فليس لهم إلا الترك. وقوله (ومأواهم جهنم) من تمام التعليل، فإن من كان من أهل النار لا يجدي فيه الدعاء إلى الخير، والمأوى كل مكان يأوى إليه الشئ ليلا أو نهارا. وقد أوى فلان إلى منزله يأوى أويا وإيواء، و (جزاء) منصوب على المصدرية، أو على العلية، والباء في (بما كانوا يكسبون) للسببية، وجملة (يحلفون لكم) بدل مما تقدم. وحذف هنا المحلوف به لكونه معلوما مما سبق، والمحلوف عليه لمثل ما تقدم، وبين سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف هو رضا المؤمنين عنهم، ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء المعتذرين بالباطل. فقال (فإن ترضوا عنهم) كما هو مطلوبهم مساعدة لهم (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا على هؤلاء الفسقة العصاة، فينبغي لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيد لهم، والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم نهى المؤمنين عن ذلك لأن الرضا على من لا يرضى الله عليه مما لا يفعله مؤمن قوله (الأعراب أشد كفرا ونفاقا) لما ذكر الله سبحانه أحوال المنافقين بالمدينة ذكر حال من كان خارجا عنها من الأعراب، وبين أن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر غيرهم ومن نفاق غيرهم، لأنهم أقسى قلبا وأغلظ طبعا وأجفى قولا، وأبعد عن سماع كتب الله وما جاءت به رسله. والأعراب: هم من سكن البوادي بخلاف العرب، فإنه عام لهذا النوع من بني آدم سواء سكنوا البوادي أو القرى، هكذا قال أهل اللغة، ولهذا قال سيبويه: إن الأعراب صيغة جمع وليست بصيغة جمع العرب.
قال النيسابوري: قال أهل اللغة: رجل عربي إذا كان نسبه إلى العرب ثابتا، وجمعه عرب كالمجوسي والمجوس، واليهودي واليهود، فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح، وإذا قيل للعربي يا أعرابي غضب، وذلك أن من استوطن