سورة المائدة الآية (96 - 99) قوله (ليبلوكم) أي ليختبرنكم، واللام جواب قسم محذوف، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفى الحرم، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت، وكان نزول الآية في عام الحديبية، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم، فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم.
وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية هل هم المحلون أو المحرمون؟ فذهب إلى الأول مالك وإلى الثاني ابن عباس، والراجح أن الخطاب للجميع، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض، و " من " في (من الصيد) للتبعيض وهو صيد البر، قاله ابن جرير الطبري وغيره. وقيل إن " من " بيانية: أي شئ حقير من الصيد، وتنكير شئ للتحقير. قوله (تناله أيديكم ورماحكم) قرأ ابن وثاب (يناله) بالياء التحتية، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض، وبين ما تناله الرماح: وهو ما يطيق الفرار وخص الأيدي بالذكر: لأنها أكثر ما يتصرف به الصائد في أخذ الصيد، وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب. قوله (ليعلم الله من يخافه بالغيب) أي ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئه عليه. قوله (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام، وفى معناه - غير محلى الصيد وأنتم حرم - وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم، لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم، وأحرم الرجل: دخل في الحرم. قوله (ومن قتله منكم متعمدا) المتعمد: هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام. والمخطئ: هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا، والناسي: هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. وقد استدل ابن عباس وأحمد في رواية وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره، بل لا تجب إلا عليه وحده. وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور. وقيل إنها تلزم الكفارة المخطئ والناسي كما تلزم المتعمد، وجعلوا قيد التعمد خارجا مخرج الغالب، روى عن عمر والحسن والنخعي والزهري، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وروي عن ابن عباس. وقيل إنه يجب التكفير على العامد الناسي لإحرامه. وبه قال مجاهد، قال: فإن كان ذاكرا لإحرامه فقد حل ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها. قوله (فجزاء مثل ما قتل من النعم) أي فعليه جزاء مماثل لما قتله، ومن النعم بيان للجزاء المماثل. قيل المراد المماثلة في القيمة، وقيل في الخلقة. وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة، وذهب إلى الثاني مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وهو الحق لأن البيان للماثل بالنعم يفيد ذلك، وكذلك يفيده هديا بالغ الكعبة. وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل، وأن المحرم مخير. وقرئ (فجزاؤه مثل ما قتل) وقرئ (فجزاء مثل) على إضافة جزاء إلى مثل،