أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) قال: العمل بهما، وأما ما أنزل إليهم فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزل عليه، وأما (لأكلوا من فوقهم) فأرسلت عليهم مطرا، وأما (من تحت أرجلهم) يقول أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم، (منهم أمة مقتصدة) وهم مسلمة أهل الكتاب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (لأكلوا من فوقهم) يعنى لأرسل عليهم السماء مدرارا (ومن تحت أرجلهم) قال: تخرج الأرض من بركتها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: الأمة المقتصدة: الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا. قال:
والغلو الرغبة، والفسق التقصير عنه. وأخرج أبو الشيخ عن السدى (أمة مقتصدة) يقول مؤمنة. وأخرج ابن مردويه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس الضبي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر حديثا، قال: ثم حدثهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، تعلو أمتي على الفريقين جميعا ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون منها في النار، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعات الجماعات " قال يعقوب بن زيد: كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلا فيه قرآنا، قال (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم) إلى قوله (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) وتلا أيضا (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) يعنى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروى من طرق عديدة قد ذكرناها في موضع آخر انتهى. قلت: أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم إنها موضوعة.
سورة المائدة الآية (66 - 67) العموم الكائن في ما أنزل يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ جميع ما أنزله الله إليه لا يكتم منه شيئا. وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد مما يتعلق بما أنزله الله إليه شيئا، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب. وفى صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شئ من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر (فإن لم تفعل) ما أمرت به من تبليغ الجميع بل كتمت ولو بعضا من ذلك (فما بلغت رسالاته). قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة إلا شعبة " رسالته " على التوحيد. وقرأ أهل المدينة وأهل الشام " رسالاته " على الجمع، قال النحاس: والجمع أبين لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا، ثم يبينه انتهى. وفيه نظر، فإن نفى التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات، كما ذكره علماء البيان على