إبطال دينكم وأن يردوكم إلى دينهم كما كانوا يزعمون (فلا تخشوهم) أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم (واخشون) فأنا القادر على كل شئ إن نصرتكم فلا غالب لكم، وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم. قوله (اليوم أكملت لكم دينكم) جعلته كاملا غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه، ووفي ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك، ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله (لكم). قال الجمهور المراد بالإكمال هنا: نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم. قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا وآية الكلالة ونحوهما. والمراد باليوم المذكور هنا هو يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب، وقيل إنها نزلت في يوم الحج الأكبر. قوله (وأتممت عليكم نعمتي) بإكمال الدين المشتمل على الأحكام وبفتح مكة وقهر الكفار وإياسهم عن الظهور عليكم كما وعدتكم بقولي (ولأتم نعمتي عليكم). قوله (ورضيت لكم الإسلام دينا) أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضيا لأمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة إن حملناه على ظاهره، ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذي أنتم عليه اليوم دينا باقيا إلى انقضاء أيام الدنيا. ودينا منتصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا. قوله (فمن اضطر في مخمصة) هذا متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض: أي من دعته الضرورة (في مخمصة) أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرمات. والخمص: ضمور البطن، ورجل خميص وخمصان، وامرأة خميصة وخمصانة، ومنه أخمص القدم، ويستعمل كثيرا في الجوع، قال الأعشى:
تبيتون في المشتاء ملأى بطونكم * وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا قوله (غير متجانف) الجنف: الميل، والإثم: الحرام: أي حال كون المضطر في مخمصة غير مائل لإثم، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد، وكل مائل فهو متجانف وجنف. وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب والسلمي " متجنف " (فإن الله غفور رحيم) به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرم عليه إلى الإثم بأن يكون باغيا على غيره أو متعديا لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شعائر الإسلام، فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها، قالوا: هلم يا صدى فكل قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم، لما أنزل الله عليه، قالوا: وما ذاك؟ قال: فتلوت عليهم هذه الآية (حرمت عليكم الميتة) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (وما أهل لغير الله به) قال: وما أهل للطواغيت به (والمنخنقة) قال: التي تخنق فتموت (والموقوذة) قال: التي تضرب بالخشبة فتموت (والمتردية) قال: التي تتردى من الجبل فتموت (والنطيحة) قال: الشاة التي تنطح الشاة (وما أكل السبع) يقول: ما أخذ السبع (إلا ما ذكيتم) يقول: ذبحتم من ذلك، وبه روح فكلوه (وما ذبح على النصب) قال: النصب أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها (وأن تستقسموا بالأزلام) قال: هي القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور (ذلكم فسق) يعني من أكل ذلك كله فهو فسق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الرداة التي تتردى في البئر، والمتردية التي تتردى من الجبل. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله (وأن تستقسموا بالأزلام) قال: حصى بيض كانوا يضربون بها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا