سورة الأنعام الآية (123 - 124) قوله (أو من كان ميتا فأحييناه). قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام. وقرأ نافع وابن أبي نعيم بإسكانها. قال النحاس: يجوز أن يكون محمولا على المعنى: أي انظروا وتدبروا (أغير الله أبتغي حكما. أو من كان ميتا فأحييناه) والمراد بالميت هنا الكافر أحياه الله بالإسلام، وقيل معناه: كان ميتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه. والأول أولى، لأن السياق يشعر بذلك لكونه في تنفير المسلمين عن اتباع المشركين، وكثيرا ما تستعار الحياة للهداية وللعلم، ومنه قول القائل:
وفى الجهل قبل الموت موت لأهله * فأجسامهم قبل القبور قبور وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت * فليس له حتى النشور نشور والنور عبارة عن الهداية والإيمان، وقيل هو القرآن، وقيل الحكمة، وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى - يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم - والضمير في به راجع إلى النور (كمن مثله في الظلمات) أي كمن صفته في الظلمات، ومثله مبتدأ والظلمات خبره، والجملة صفة لمن، وقيل مثل زائدة، والمعنى: كمن في الظلمات كما تقول: أنا أكرم من مثلك: أي منك، ومثله - فجزاء مثل ما قتل من النعم - ليس كمثله شئ - وقيل المعنى: كمن مثله مثل من هو في الظلمات، و (ليس بخارج منها) في محل نصب على الحال: أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال. قوله (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) أي مثل ذلك الجعل جعلنا في كل قرية، والأكابر جمع أكبر، قيل هم الرؤساء والعظماء، وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد، والمكر:
الحيلة في مخالفة الاستقامة. وأصله الفتل، فالماكر يفتل عن الاستقامة: أي يصرف عنها (وما يمكرون إلا بأنفسهم) أي وبال مكرهم عائد عليهم (وما يشعرون) بذلك لفرط جهلهم (وإذا جاءتهم آية) من الآيات (قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله) يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء، وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة، ونظيره - يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة -. والمعنى: إذا جاءت الأكابر آية قالوا هذه المقالة، فأجاب الله عنهم بقوله (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) أي إن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولا ويكون موضعا لها وأمينا عليها، وقد اختار أن يجعل الرسالة في محمد صفيه وحبيبه، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم، ثم توعدهم بقوله (سيصيب الذين أجرموا صغار) أي ذل وهوان، وأصله من الصغر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه، وقيل الصغار هو الرضا بالذل. روى ذلك عن ابن السكيت.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس (أو من كان ميتا فأحييناه) قال: كان كافرا ضالا فهديناه (وجعلنا له نورا) هو القرآن (كمن مثله في الظلمات) الكفر والضلالة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن