قوله (فلا يؤمنوا) قال المبرد والزجاج: هو معطوف على ليضلوا، والمعنى: آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا، ويكون ما بين المعطوف والمعطوف عليه اعتراضا. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: هو دعاء بلفظ النهي، والتقدير: اللهم فلا يؤمنوا، ومنه قول الأعشى:
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى * ولا تلقني إلا وأنفك راغم وقال الأخفش: إنه جواب الأمر: أي اطمس واشدد فلا يؤمنوا، فيكون منصوبا. وروى هذا عن الفراء أيضا، ومنه:
يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فنستريحا (حتى يروا العذاب الأليم) أي لا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لما يعذبهم الله به، وعند ذلك لا ينفع إيمانهم. وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء، وقال: إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم. وأجيب بأنه لا يجوز لنبي أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه، وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن، ولهذا لما أعلم الله نوحا عليه السلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن، قال - رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا -. (قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون وفيما تقدم أضافها إلى موسى وحده فقيل إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فسمى هاهنا داعيا، وإن كان الداعي موسى وحده ففي أول الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي، وهاهنا أضافه إليهما تنزيلا للمؤمن منزلة الداعي، ويجوز أن يكونا جميعا داعيين، ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أول الكلام لأصالته في الرسالة. قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول: الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب. وقرأ علي والسلمي " دعاؤكما " وقرأ ابن السميفع " دعوا كما " والاستقامة: الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله. قال الفراء وغيره: أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا، وقيل معنى الاستقامة: ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضا والتسليم لما يقضى به الله سبحانه. قوله (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) بتشديد النون للتأكيد وحركت بالكسر لكونه الأصل ولكونهما أشبهت نون التثنية. وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي.
وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان. والمعنى: النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا. قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) هو من جاوز المكان:
إذا خلفه وتخطاه، والباء للتعدية: أي جعلناهم مجاوزين البحر حتى بلغوا الشط، لأن الله سبحانه جعل البحر يبسا فمروا فيه حتى خرجوا منه إلى البر. وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه - وإذ فرقنا بكم البحر - وقرأ الحسن " وجوزنا " وهما لغتان (فأتبعهم فرعون وجنوده) يقال تبع وأتبع بمعنى واحد: إذا لحقه. وقال الأصمعي: يقال أتبعه بقطع الألف: إذا لحقه وأدركه، واتبعه بوصل الألف: إذا اتبع أثره أدركه أو لم يدركه.
وكذا قال أبو زيد. وقال أبو عمرو: إن اتبعه بالوصل: اقتدى به، وانتصاب بغيا وعدوا على الحال، والبغي:
الظلم، والعدو: الاعتداء، ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة: أي للبغي والعدو، وقرأ الحسن " وعدوا " بضم العين والدال وتشديد الواو مثل علا يعلو علوا، وقيل إن البغي: طلب الاستعلاء في القول بغير حق، والعدو في الفعل (حتى إذا أدركه الغرق) أي ناله ووصله وألجمه. وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من