(قل العفو) فيه أقوال أحدها: إنه ما فضل عن الأهل والعيال، أو الفضل عن الغنى، عن ابن عباس وقتادة وثانيها: إن العفو الوسط من غير إسراف ولا اقتار، عن الحسن وعطا، وهو المروي عن أبي عبد الله " عليه السلام ". وثالثها: إن العفو ما فضل عن قوت السنة، عن أبي جعفر الباقر " عليه السلام " قال: ونسخ ذلك بآية الزكاة، وبه قال السدي. ورابعها: إن العفو أطيب المال وأفضله وقوله: (كذلك) إنما وحد الكاف لأن الخطاب للنبي، ويدخل فيه الأمة. وقيل: إن تقديره كذلك أيها القبيل (يبين الله لكم الآيات) أي: الحجج في أمر النفقة والخمر والميسر. وقيل: في سائر شرائع الاسلام (لعلكم تتفكرون) أي: لكي تتفكروا (في الدنيا والآخرة) أي: في أمر الدنيا، وأمر الآخرة، فتعلمون أن الدنيا دار بلاء وعناء وفناء، والآخرة دار جزاء وبقاء، فتزهدوا في هذه وترغبوا في تلك. وقيل إنه من صلة (يبين) أي: كما يبين لكم الآيات في الخمر والميسر، يبين لكم الآيات في أمور الدنيا والآخرة، لكي تتفكروا في ذلك، دلالة على أن الله أراد منهم التفكر، سواء تفكروا أو لم يتفكروا.
(ويسألونك عن اليتامى) قال ابن عباس: لما أنزل الله (ولا تقربوا مال اليتيم) الآية، و (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) انطلق كل من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، واشتد ذلك عليهم فسألوا عنه، فنزلت هذه الآية. ولا بد من إضمار في الكلام لأن السؤال لم يقع عن أشخاص اليتامى، ولا ورد الجواب عنها، فالمعنى: يسألونك عن القيام على اليتامى، أو التصرف في أموال اليتامى، (قل) يا محمد (إصلاح لهم خير) يعني إصلاح لأموالهم من غير أجرة، ولا أخذ عوض منهم، خير وأعظم أجرا (وإن تخالطوهم) أي: تشاركوهم في أموالهم، وتخلطوها بأموالكم، فتصيبوا من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم (فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم. والإخوان يعين بعضهم بعضا، ويصيب بعضهم من مال بعض. وهذا إذن لهم فيما كانوا يتحرجون منه من مخالطة الأيتام في الأموال من المأكل والمشرب والمسكن ونحو ذلك، ورخصة لهم في ذلك إذا تحروا الصلاح بالتوفير على الأيتام، عن الحسن، وغيره، وهو المروي في أخبارنا.
(والله يعلم المفسد من المصلح) معناه: والله يعلم من كان غرضه من مخالطة اليتامى إفساد مالهم، أو إصلاح مالهم (ولو شاء الله لأعنتكم) أي: لضيق عليكم في أمر اليتامى ومخالطتهم، وألزمكم ما كنتم تجتنبونه من مشاركتهم. وقال الزجاج