جاء نحوه:
وما خلت أبقى بيننا من مودة * عراض المذاكي المسنفات القلايصا (1) وإنما هو وما أبقى بيننا. فالوجه في هذه القراءة أنه لم يعد حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما، لأن حسبت في قوله: (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) لما جعل بدلا من الأول وعدي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأي كتاب، أو بأية سنة، * ترى حبهم عارا علي، وتحسب بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما. والفاء زائدة، فالتقدير: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا (2) بمفازة من العذاب. وأما قراءة (فلا تحسبنهم) بضم الباء، فإن فعل الفاعل الذي هو يحسبن تعدى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون الثقيلة.
فإن قيل: هلا لم تحذف الواو من تحسبون وأثبتها كما ثبتت في تمود بالثوب (3)، أتحاجوني، ونحو ذلك مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأول من زيادة المد التي تقوم مقام الحركة. فالقول فيه: إنه حذفت كما حذفت مع الخفيفة. ألا ترى أنك لو قلت: لا تحسبن زيدا ذاهب، لم يلزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة في هذا. وقوله (بمفازة من العذاب) في موضع المفعول الثاني، وفيه ذكر للمفعول الأول، وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدى إلى ضمير نفسه، نحو: ظننتني أخاك، لأن هذه الأفعال لما كانت تدخل على المبتدأ والخبر، أشبهت أن وأخواتها في دخولها على المبتدأ والخبر، كدخول هذه الأفعال عليهما، وذلك قولك: ظننتني ذاهبا، كما تقول إني ذاهب. ومما يدل على ذلك قبح دخول النفس عليها لو قلت: أظن نفسي تفعل كذا، لم يحسن كما يحسن أظنني فاعلا.