لحق المشركين من الغم يوم بدر من جهة المسلمين، إنما توجب المجازاة بالكرامة دون الغم وخامسها: إن المراد غم المشركين، بما ظهر من قوة المسلمين على طلبهم، وخروجهم إلى (حمراء الأسد) فجعل هذا الغم عوضا عن غم المسلمين، بما نيل منهم، عن الحسين بن علي المغربي. وإنما قيل في الغم ثواب، لأن أصله ما يرجع إلى المجازاة على الفعل، طاعة كان أو معصية، ثم كثر في جزاء الطاعة، فهو كما قال الشاعر:
وأراني طربا في إثرهم * طرب الواله، أو كالمختبل وقيل: إنه مما وضع مكان غيره، كقوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) أي:
ضعه موضع البشارة، فهو كما قال الشاعر:
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه * أداهم سودا، أو مدحرجة سمرا (1) (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) معناه: فعل بكم هذا الغم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة، ولا تتركوا أمر النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، ولئلا تحزنوا على ما أصابكم من الشدائد في سبيل الله، وليكن غمكم بأن خالفتم النبي فقط. وتقديره:
ليشغلكم حزنكم على سوء ما صنعتم، عن الحزن على غيره. وقيل: معناه ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم، فإن عفو الله تعالى يذهب كل حزن.
(والله خبير بما تعملون) فيه ترغيب في الطاعة، وترهيب عن المعصية. ثم ذكر ما أنعم به عليهم بعد ذلك حتى تراجعوا وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم "، فأنزل النعاس عليهم في تلك الحالة، حتى كانوا يسقطون على الأرض. وكان المنافقون لا يستقرون، حتى طارت عقولهم، فقال: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا): لفظ الإنزال توسع ومعناه: ثم وهب الله لكم أيها المؤمنون بعد ما نالكم من يوم أحد من الغم، أمنة يعني أمنا. نعاسا أي: نوما. وهو بدل الاشتمال عن (أمنة) لأن النوم يشتمل على الأمن، لأن الخائف لا ينام.
ثم ذكر سبحانه أن تلك الأمنة لم تكن عامة، بل كانت لأهل الإخلاص، وبقي لأهل النفاق الخوف والسهر، فقال: (يغشى طائفة منكم) يعني المؤمنين ألقى عليهم النوم، وكان السبب في ذلك توعد المشركين لهم بالرجوع إلى القتال، فقعد