المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المنافقين -. ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل.
ثم إن رسول الله انطلق إلى الصخرة، وهو يدعو الناس، فأول من عرف رسول الله كعب بن مالك، قال: عرفت عينيه تحت المغفر، تزهران، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين! أبشروا فهذا رسول الله. فأشار إلي أن أسكت.
فانحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم النبي على الفرار، فقالوا: يا رسول الله!
فديناك بآبائنا وأمهاتنا. أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا، فولينا مدبرين. فأنزل الله تعالى: (وما محمد إلا رسول) الآية.
المعنى: ثم بين سبحانه أنه لا ينبغي أن يترك أمر الله تعالى، كان الرسول بين أظهرهم، أو لم يكن، فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) يعني أنه بشر اختاره الله لرسالته إلى خلقه، قد مضت قبله رسل، بعثوا فأدوا الرسالة ومضوا وماتوا، وقتل بعضهم، وأنه يموت كما ماتت الرسل قبله، فليس الموت بمستحيل عليه، ولا القتل. وقيل: أراد أن أصحاب الأنبياء لم يرتدوا عند موتهم، أو قتلهم، فاقتدوا بهم. ثم أكد ذلك فقال (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) معناه: أفإن أماته الله، أو قتله الكفار، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم. فسمي الإرتداد انقلابا على العقب: وهو الرجوع القهقري، لأن الردة خروج إلى أقبح الأديان، كما أن الانقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي. والألف في قوله (أفإن مات):
ألف إنكار صورته صورة الاستفهام، ومثله: أتختار الفساد على الصلاح، والخطأ على الصواب.
وفي قوله (مات أو قتل): دلالة على أن الموت غير القتل، لأن الشئ لا يعطف على نفسه. فالقتل هو نقض بنية الحياة. والموت: فساد البنية التي تحتاج إليها الحياة (1). وقيل: الموت معنى يضاد الحياة، والصحيح الأول (ومن ينقلب على عقبيه) يعني من يرتد عن دينه (فلن يضر الله شيئا) لأنه لا يجوز عليه المضار، بل مضرته عائدة عليه، لأنه مستحق للعقاب الدائم (وسيجزي الله الشاكرين) أي:
يثيب الله الشاكرين على شكرهم، لنعم الله واعترافهم بها. وقيل: المراد بالشاكرين المطيعين، لأن الطاعات هي شكر الله على نعمه، وهذا يتصل بما قبله اتصال الوعد