أحسبتم، وهو استفهام على وجه الانكار. والفرق بين لم ولما أن (لما) جواب لقول القائل: قد فعل فلان يريد به الحال. وإذا قال: فعل فجوابه: لم يفعل، لما كان أصلها لم مؤكدة بحرف كانت جوابا لما هو مؤكد بحرف. وقوله: (ويعلم الصابرين): نصب على الصرف عن العطف، إذ ليس المعنى على نفي الثاني والأول. وإنما هو على نفي اجتماع الثاني والأول، وتقديره: وأن يعلم فيكون منصوبا بإضمار أن، والمعنى: ولما يقع العلم بالجهاد والعلم بصبر الصابرين.
وروي عن الحسن أنه قرأ. (ويعلم الصابرين) بالكسر، عطفا على الأول.
المعنى: لما حث الله على الجهاد، ورغب فيه، زاد في البيان والإخبار بأن الجنة لا تنال إلا بالبلوى والاختبار، فقال: (أم حسبتم ان تدخلوا الجنة) المراد به الانكار أي: أظننتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) أي: ولما يجاهد المجاهدون منكم، فيعلم الله جهادهم، ويصبر الصابرون منكم فيعلم صبرهم على القتال. وإنما جاز (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) على معنى نفي الجهاد، دون العلم، لما في ذلك من الإيجاز في انتفاء جهادهم، لأنه لو كان لعلمه، وتقديره: ولما لم يكن المعلوم من الجهاد الذي أوجب عليكم، لأن المعنى مفهوم لا يشتبه.
(ولقد كنتم) يا أصحاب محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " (تمنون الموت) أي: تتمنون الموت، فحذف إحدى التائين للتخفيف، وذلك أن قوما ممن فاتهم شهود بدر، كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر، قبل أحد. فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه، فانهزموا، فعاتبهم الله على ذلك، عن الحسن ومجاهد والربيع وقتادة والسدي. (من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه) الهاء في تلقوه ورأيتموه راجعة إلى الموت أي: من قبل أن تلقوا أسباب الموت، وهو الحرب فقد رأيتموها لأن الموت لا يرى، ونحو ذلك قول الشاعر: (والموت تحت لواء آل محلم) أي: أسباب الموت.
وقيل: الهاء راجعة إلى الجهاد (وأنتم تنظرون) قيل: إنه تأكيد للرؤية كما يقال:
رأيته عيانا، فرأيته بعيني، وسمعته بأذني، لأن لا يتوهم رؤية القلب وسمع العلم.
وقيل: معناه وأنتم تتأملون الحال في ذلك كيف هي، فعلى هذا يكون النظر بمعنى الفكر. وقيل: معناه وأنتم تنظرون إلى محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " وفيه حذف أي: فلم انهزمتم لأنه موضع عتاب. فإن قيل: كيف يتمنى قتل المشركين لهم لينالوا منزلة الشهادة؟