وأصل العنت: المشقة عنت الرجل يعنت عنتا: دخلت عليه المشقة. وأكمة عنوت: صعبة المسلك لمشقة السلوك فيها. وأعنت فلان فلانا: حمله على المشقة الشديدة فيما يطالبه فيه. ومنه قوله تعالى: (ولو شاء الله لأعنتكم).
الاعراب: (من دونكم): من للتبعيض، والتقدير: لا تتخذوا بعض المخالفين في الدين بطانة. ويجوز أن يكون لتبيين الصفة، فكأنه قال: لا تتخذوا بطانة من المشركين. وهذا أولى لأنه أعم. ولا يجوز ان يتخذ المؤمن الكافر بطانة على كل حال. وقيل: إن (من) ها هنا زائدة، وهذا غير حسن، لان الحرف إذا صح حمله في الفائدة، لا يحكم فيه بالزيادة. وقوله: (خبالا): نصب بأنه المفعول الثاني، لان الألو يتعدى إلى مفعولين. ويجوز أن يكون مصدرا لان المعنى يخبلونكم خبالا.
وموضع قوله (ودوا ما عنتم): يجوز أن يكون نصبا بأنه صفة لبطانة، ويجوز أن يكون لا موضع له من الاعراب، لأنه استئناف جملة. و (ما) في قوله (ما عنتم) مصدرية، وتقديره: ودوا عنتكم.
النزول: نزلت في رجال من المسلمين، كانوا يواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار والحلف والرضاع، عن ابن عباس. وقيل:
نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصادقون المنافقين، عن مجاهد.
المعنى: نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار ومخالطتهم، خوف الفتنة منهم عليهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا) أي: صدقوا (لا تتخذوا بطانة من دونكم) أي: لا تتخذوا الكافرين أولياء، وخواص من دون المؤمنين تفشون إليهم أسراركم.
وقوله (من دونكم) أي: من غير أهل ملتكم. ثم بين تعالى العلة في منع مواصلتهم، فقال: (لا يألونكم خبالا) أي: لا يقصرون فيما يؤدي إلى فساد أمركم، ولا يدعون جهدهم في مضرتكم. وقال الزجاج: لا يتقون في القائكم فيما يضركم. قال: وأصل الخبال ذهاب الشئ. وقوله: (ودوا ما عنتم) معناه تمنوا ادخال المشقة عليكم. وقيل: تمنوا اضلالكم عن دينكم، عن السدي. وقيل:
تمنوا أن يعنتوكم في دينكم أي: يحملونكم على المشقة فيه، عن ابن عباس.
وقوله (قد بدت البغضاء من أفواههم) معناه: ظهرت امارة العداوة لكم على ألسنتهم، وفي فحوى أقوالهم، وفلتات كلامهم. (وما تخفي صدورهم من البغضاء أكبر) مما يبدون بألسنتهم (قد بينا لكم الآيات) أي: أظهرنا لكم الدلالات