الكتاب سواء أي: ليس الذين آمنوا من أهل الكتاب (أمة قائمة) كعبد الله بن سلام وأصحابه، والذين لم يؤمنوا، سواء في الدرجة والمنزلة، ثم استأنف، وبين افتراقهم فقال: (من أهل الكتاب أمة قائمة) فحصل بهذا بيان الافتراق. وهذا كما لو أخبر القائل عن قوم بخبر فقال: بنو فلان يعملون كذا وكذا، ثم قال: ليسوا سواء، فإن منهم من يفعل كذا وكذا، وكذلك لو ذم قبيلة بالبخل والجبن، فقال غيره: ليسوا سواء، منهم الجواد، ومنهم الشجاع. فيكون منهم الجواد، ومنهم الشجاع، ابتداء كلام. وقال أبو عبيدة: هو على لغة أكلوني البراغيث. ومثله قوله تعالى: (ثم عصوا وصموا كثير منهم) وقال الشاعر:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي، فأعرضن عني بالخدود النواضر (1) قال الزجاج والرماني: وليس الامر كما قال، لان ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر الله أنهم غير متساويين، ولأن هذه اللغة رديئة في القيام والاستعمال. وقال الفراء: المعنى منهم أمة قائمة، وأمة غير قائمة، اكتفاء بذكر أحد الفريقين، كما قال أبو ذويب:
عصيت إليها القلب، إني لأمرها مطيع، فما أدري أرشد طلابها ولم يقل أم غي. وقال آخر:
أواك فلا أدري أهم هممته * وذو الهم قدما خاشع متضائل (2) ولم يقل: أم غيره، لان حاله في التغير ينبئ أن الهم غيره أم غيره، فعلى هذا يكون رفع أمة على معنى الفعل، وتقديره: لا يستوي أمة هادية، وأمة ضالة.
وعلى القول الأول رفع بالابتداء. وأنكر الزجاج هذا القول، وقال: ما بنا حاجة هنا إلى محذوف، لان ذكر الفريقين قد جرى في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.
ثم قال: ليسوا سواء. ولا يحتاج إلى أن يقدروا أمة غير قائمة، وقد تقدم صفتهم في قوله: (ويكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء). وقوله: أمة قائمة فيه وجوه أحدها:
إن معناها جماعة ثابتة على أمر الله، عن ابن عباس وقتادة والربيع. وثانيها: عادلة، عن الحسن ومجاهد وابن جريج وثالثها: قائمة بطاعة الله، عن السدي. ورابعها:
إن التقدير: ذو أمة قائمة أي: ذو طريقة مستقيمة، عن الزجاج. وأنشد للنابغة: