كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا) قد يتوهم أنه لا يقتل مؤمن مؤمنا على وجه. فقيل لذلك إلا خطأ، وكذلك (ضربت عليهم الذلة): قد يتوهم أنه من غير جواز موادعة فقيل:
(إلا بحبل من الله). وقيل: إن الاستثناء متصل، لان عز المسلمين عز لهم بالذمة، وهذا لا يخرجهم من الذلة في أنفسهم.
النزول: قال مقاتل: إن رؤوس اليهود مثل كعب وأبي رافع وأبي ياسر وكنانة وابن صوريا، عمدوا إلى مؤمنيهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، فأنبوهم لاسلامهم، فنزلت الآية.
المعنى: (لن يضروكم إلا أذى) وعد الله المؤمنين أنهم منصورون، وأن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم، ولا ينالهم من جهتهم إلا أذى من جهة القول. ثم اختلفوا في هذا القول فقيل: هو كذبهم على الله وتحريفهم كتاب الله. وقيل: هو ما كانوا يسمعون المؤمنين من الكلام المؤذي (وإن يقاتلوكم) أي: وإن يجاوزوا عن الايذاء باللسان إلى القتال والمحاربة (يولوكم الادبار) منهزمين. (ثم لا ينصرون) أي: ثم لا يعانون لكفرهم.
ففي هذه الآية دلالة على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لوقوع مخبره على وفق خبره، لان يهود المدينة من بني قريظة والنضير وبني قينقاع، ويهود خيبر، الذين حاربوا النبي والمسلمين، لم يثبتوا لهم قط، وانهزموا ولم ينالوا من المسلمين إلا بالسبب والطعن (ضربت عليهم الذلة) أي: أثبت عليهم الذلة، وأنزلت بهم، وجعلت محيطة بهم، وهو استعارة من ضرب القباب والخيام، عن أبي مسلم. وقيل: معناه ألزموا الذلة، فثبتت فيه من قولهم: ضرب فلان الضريبة على عبده أي: ألزمها إياه.
قال الحسن: ضربت الذلة على اليهود، فلا يكون لها منعة أبدا. وقيل معناه فرضت عليهم الجزية والهوان، فلا يكونون في موضع إلا بالجزية. ولقد أدركهم الاسلام وهم يؤدون الجزية إلى المجوس (أينما ثقفوا) أي وجدوا، ويقال: أخذوا وظفر بهم.
(إلا بحبل من الله) أي: بعهد من الله (وحبل من الناس) أي: وعهد من الناس على وجه الذمة وغيرها من وجوه الأمان، عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة. وسمي العهد حبلا لأنه يعقد به الأمان، كما يعقد الشئ بالحبل (وباءوا بغضب من الله) أي: رجعوا بغضب الله الذي هو عقابه ولعنه. وقيل: معناه