لي من توبة؟ فسألوا. فنزلت الآية إلى قوله (إلا الذين تابوا) فحملها إليه رجل من قومه، فقال: إني لأعلم أنك لصدوق، ورسول الله أصدق منك، وأن الله أصدق الثلاثة. ورجع إلى المدينة، وتاب، وحسن إسلامه، عن مجاهد والسدي، وهو المروي عن أبي عبد الله " عليه السلام ". وقيل: نزلت في أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون بالنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قبل مبعثه، ثم كفروا بعد البعثة، حسدا وبغيا، عن الحسن والجبائي وأبي مسلم. المعنى: لما بين تعالى أن الاسلام هو الدين الذي به النجاة، بين حال من خالفه فقال: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) فيه وجوه أحدها: إن معناه كيف يسلك الله بهم سبيل المهتدين بالإثابة لهم، والثناء عليهم، وقد كفروا بعد إيمانهم. وثانيها: إنه على طريق التبعيد، كما يقال: كيف أهديك إلى الطريق وقد تركته؟ أي: لا طريق يهديهم به إلى الإيمان، إلا من الوجه الذي هداهم به، وقد تركوه، ولا طريق غيره. وثالثها: إن المراد: كيف يهديهم الله إلى الجنة، ويثيبهم والحال هذه.
وقوله: (وشهدوا أن الرسول حق) عطف على قوله (بعد إيمانهم) دون قوله (كفروا)، وتقديره بعد أن آمنوا وشهدوا أن الرسول حق. (وجاءهم البينات) أي:
البراهين والحجج. وقيل: القرآن. وقيل: جاءهم ما في كتبهم من البشارة لمحمد (والله لا يهدي القوم الظالمين) أي: لا يسلك بالقوم الظالمين مسلك المهتدين، ولا يثيبهم، ولا يهديهم إلى طريق الجنة، لأن المراد الهداية المختصة بالمهتدين، دون الهداية العامة المرادة في قوله (وأما ثمود فهديناهم). والمراد بالإيمان هاهنا:
إظهار الإيمان دون الإيمان الذي يستحق به الثواب، وليس في الآية ما يدل على أنهم قد كانوا في باطنهم مؤمنين مستحقين الثواب، فزال ذلك بالكفر. فلا متعلق للمخالف به (أولئك جزاؤهم) على أعمالهم (أن عليهم لعنة الله) وهي: إبعاده إياهم من رحمته ومغفرته (والملائكة والناس أجمعين) وهي: دعاؤهم عليهم باللعنة، وبأن يبعدهم الله من رحمته (خالدين فيها) أي: في اللعنة لخلودهم فيما استحقوا باللعنة، وهو العذاب (لا يخفف عنهم العذاب) ولا يسهل عليهم (ولا هم ينظرون) أي ولا يمهلون للتوبة ولا يؤخر عنهم العذاب من وقت إلى وقت آخر، ونما نفى إنظارهم للتوبة والإنابة، لما علم من حالهم، أنهم لا ينيبون ولا يتوبون،