كما قال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) على أن التبقية ليست بواجبة، وإن علم أنه لو أبقاه لتاب وأناب عند أكثر المتكلمين.
(إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) أي: تابوا من الكفر، ورجعوا إلى الإيمان، وأصلحوا ضمائرهم، وعزموا على أن يثبتوا على الاسلام. وهذا أحسن من قول من قال وأصلحوا أعمالهم بعد التوبة، وصلوا وصاموا، فإن ذلك ليس بشرط في صحة التوبة. إذ لو مات قبل فعل الصالحات، مات مؤمنا بالإجماع (فإن الله غفور) يغفر ذنوبهم (رحيم) يوجب الجنة لهم. وذكر المغفرة دليل على أن اسقاط العقاب بالتوبة تفضل منه سبحانه، وأن ما لا يجوز تعليقه بالمغفرة، وأن ما يعلق بالمغفرة، ما يكون له المؤاخذة به.
(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون [90]).
النزول: قيل: نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " قبل مبعثه، ثم كفروا به بعد مبعثه، عن الحسن. وقيل: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم وكتبهم ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد والقرآن، عن قتادة وعطاء. وقيل: نزلت في أحد عشر من أصحاب الحرث بن سويد، لما رجع الحرث قالوا: نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا، فمتى ما أردنا الرجعة رجعنا، فينزل فينا ما نزل في الحرث. فلما افتتح رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " مكة، دخل في الاسلام من دخل منهم، فقبلت توبته، فنزل في من مات منهم كافرا: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) الآية.
المعنى: لما تقدم ذكر التوبة المقبولة، عقبه الله بما لا يقبل منها، فقال: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) قد ذكرنا الاختلاف في سبب نزوله، وعلى ذلك يدور معناه. وقيل: كلما نزلت آية كفروا بها، فازدادوا كفرا إلى كفرهم (لن تقبل توبتهم) لأنها لم تقع على وجه الإخلاص، ويدل عليه قوله (وأولئك هم الضالون). ولو حققوا في التوبة لكانوا مهتدين. وقيل: لن تقبل توبتهم عند رؤية البأس، لأنها تكون في حال الإلجاء، ومعناه: إنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت والمعاينة، عن الحسن وقتادة والجبائي. وقيل: لأنها أظهرت الاسلام تورية، فأطلع