إني قد جئتكم، لكان صوابا. والمعنى: يقول إني قد جئتكم. وموضع (أني أخلق لكم): يحتمل أن يكون خفضا ورفعا، فالخفض على البدل من (آية)، والرفع على ما ذكرناه قبل. و (بما تأكلون): جائز أن يكون (ما) هنا بمعنى الذي أي:
بما تأكلونه وتدخرونه. ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي: أنبئكم بأكلكم وادخاركم. وا لأول أجود.
المعنى: (ويعلمه الكتاب) أراد الكتابة، عن ابن جريج. قال: أعطى الله عيسى تسعة أجزاء من الخط، وسائر الناس جزء. وقيل: أراد به بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، سوى التوراة والإنجيل، مثل الزبور وغيره، عن أبي علي الجبائي، وهو أليق بالظاهر. (والحكمة) أي: الفقه، وعلم الحلال والحرام، عن ابن عباس، كما روي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " أوتيت القرآن ومثليه ". قالوا: أراد به السنن. وقيل: أراد بذلك جميع ما علمه من أصول الدين.
(والتوراة والإنجيل) إن قيل: لم أفردهما بالذكر مع دخولهما في الحكمة؟
قيل: تنبيها عن جلالة موقعهما، كقوله: (وملائكته ورسله وجبريل وميكال). وقطع هاهنا قصة مريم وولادتها، ويأتي تمام قصتها في سورة مريم، وابتدأ بقصة عيسى فقال: (ورسولا إلى بني إسرائيل) وقد ذكرنا تقديره ومعناه يدور عليه (أني قد جئتكم) أي: قال لهم وكلمهم لما بعث إليهم بأني قد جئتكم (بآية) أي: بدلالة وحجة (من ربكم) دالة على نبوتي. ثم حذف الباء فوصل الفعل (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) معناه: وهذه الآية أني أقدر لكم، وأصور لكم من الطين مثل صورة الطير.
(فأنفخ فيه) أي: في الطير المقدر من الطين. وقال في موضع آخر:
(فيها) أي: في الهيئة المقدرة (فيكون طيرا بإذن الله) وقدرته. وقيل: بأمر الله تعالى. وإنما وصل قوله: (بإذن الله) بقوله: (فيكون طيرا) دون ما قبله، لأن تصور الطين على هيئة الطير، والنفخ فيه، مما يدخل تحت مقدور العباد. فأما جعل الطين طيرا حتى يكون لحما ودما، وخلق الحياة فيه، فمما لا يقدر عليه غير الله، فقال: (بإذن الله) ليعلم أنه من فعله تعالى، وليس بفعل عيسى. وفي التفسير أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش، ونفخ فيه فصار طائرا (وأبرئ الأكمه) أي: الذي ولد أعمى، عن ابن عباس وقتادة. وقيل: هو الأعمى، عن الحسن والسدي.