علمه ومنه: شهد فلان عند القاضي أي: بين ما علمه. فالله تعالى قد دل على توحيده بجميع ما خلق، وبين أنه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا مما أنشأه.
(والملائكة) أي: وشهدت الملائكة بما عاينت من عظيم قدرته (وأولوا العلم) أي: وشهد أولوا العلم بما ثبت عندهم، وتبين من صنعه الذي لا يقدر عليه غيره. وروي عن الحسن أن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير: شهد الله أنه لا إله إلا هو (قائما بالقسط) وشهدت الملائكة أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط، وشهد أولوا العلم أنه (لا إله إلا هو) قائما بالقسط. والقسط: العدل الذي قامت به السماوات والأرض، ورواه أصحابنا أيضا في التفسير. وأولوا العلم هم علماء المؤمنين، عن السدي والكلبي. وقيل: معنى قوله (قائما بالقسط) أنه يقوم بإجراء الأمور، وتدابير الخلق، وجزاء الأعمال بالعدل، كما يقال: فلان قائم بالتدبير أي: يجري أفعاله على الاستقامة. وإنما كرر قوله: (لا إله إلا هو) لأنه بين بالأول أنه المستحق للتوحيد، لا يستحقه سواه. وبالثاني أنه القائم برزق الخلق وتدبيرهم بالعدل لا ظلم في فعله.
(العزيز الحكيم) مر تفسيره. وتضمنت الآية الإبانة عن فضل العلم والعلماء، لأنه تعالى قرن العلماء بالملائكة، وشهادتهم بشهادة الملائكة، وخصهم بالذكر، كأنه لم يعتد بغيرهم. والمراد بهذا العلم التوحيد، وما يتعلق به من علوم الدين، لأن الشهادة وقعت عليه.
ومما جاء في فضل العلم والعلماء من الحديث ما رواه جابر بن عبد الله، عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " ساعة من عالم يتكئ على فراشه، ينظر في علمه، خير من عبادة العابد سبعين عاما ". وروى أنس بن مالك عنه " صلى الله عليه وآله وسلم " قال: " تعلموا العلم، فإن تعلمه لله حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وتذكرة لأهله لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة والنار، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والقرب عند الغرباء. يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة يقتدى بهم، ويقتفى آثارهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتهم تستغفر لهم. وكل رطب ويابس يستغفر لهم حتى حيتان البحار وهوامها، وسباع الأرض وأنعامها، والسماء ونجومها. ألا وإن