بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم، وهو الذي ذكره الله تعالى ".
(فبشرهم بعذاب أليم) أي: أخبرهم بأن لهم العذاب الأليم، وإنما قال (بشرهم) على طريق الاتباع والاستعارة. والبشارة تكون في الخير دون الشر، لأن ذلك لهم مكان البشارة للمؤمنين، ولأنها مأخوذة من البشرة. وبشرة الوجه تتغير بالسرور في الخير، وبالغم في الشر. ويقال: كيف قال (فبشرهم) وإنما قتل الأنبياء أسلافهم والجواب: لأنهم رضوا بأفعالهم، واقتدوا بهم، فأجملوا معهم.
وقيل: معناه بشر هؤلاء بالعذاب الأليم لأسلافهم. وقوله: (بغير حق) لا يدل على أن في قتل النبيين ما هو حق، بل المراد بذلك أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق، كقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به)، والمراد بذلك تأكيد النفي والمبالغة فيه كما يقال: فلان لا يرجى خيره، والغرض في ذلك أنه لا خير عنده على وجه من الوجوه، وكما قال أبو ذؤيب:
متفلق أنساؤها عن قانئ، * كالقرط صاو، غيره لا يرضع (1) أي: ليس له بقية لبن فيرضع. وعلى هذا فقد وصف القتل بما لا بد أن يكون عليه من الصفة، وهو وقوعه على خلاف الحق. وكذلك الدعاء في قوله تعالى:
(ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) وصفه بأنه لا يكون إلا من غير برهان.
وقد استدل علي بن عيسى بهذه الآية على جواز إنكار المنكر مع خوف القتل، وبالخبر الذي رواه الحسن عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر يقتل عليه " وهذا فيه نظر، لأن من شرط حسن إنكار المنكر، أن لا يكون فيه مفسدة. ومتى أدى إلى القتل، فقد انتفى عنه هذا الشرط، فيكون قبيحا.
والوجه في الآية والأخبار التي جاءت في معناها، أن يغلب على الظن أن إنكار المنكر لا يؤدي إلى مفسدة، فيحسن ذلك، بل يجب، وإن تعقبه القتل، لأنه ليس من شرطه أن يعلم ذلك، بل يكفي فيه غلبة الظن.