(حتى تنكح). وإنما أوجب الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل، حتى لا يعجلوا بالطلاق وأن يتثبتوا. قال أبو مسلم: وهذا من الكنايات الفصيحة، والإيجاز العجيب.
(فإن طلقها) الزوج الثاني. (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) أي: فلا جناح على الزوج وعلى المرأة أن يعقدا بينهما عقد النكاح، ويعودا إلى الحالة الأولى.
فذكر النكاح بلفظ التراجع. (إن ظنا) أي: إن رجيا. وقيل: علما. وقيل: اعتقدا (أن يقيما حدود الله) في حسن الصحبة والمعاشرة، وأنه يكون بينهما الصلاح.
(وتلك) إشارة إلى الأمور التي بينها في النكاح والطلاق والرجعة. (حدود الله):
أوامره ونواهيه. (يبينها): يفصلها. (لقوم يعلمون) خص العالمين بذكر البيان لهم، لأنهم هم الذي ينتفعون ببيان الآيات، فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد به.
ويجوز أيضا أن يكونوا خصوا بالذكر تشريفا لهم، كما خص جبرائيل وميكائيل بالذكر من بين الملائكة. وتدل الآية على أنه طلقها الثالثة، فلا تحل له إلا بعد شرائط الزوج الثاني، ووطئه في القبل، وفرقته وانقضاء عدتها. وصفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول، أن يكون بالغا، ويعقد عليها عقدا صحيحا دائما. واختلف في التحليل على ثلاثة أقاويل: فمنهم من قال: إذا نوى التحليل يفسد النكاح، ولا تحل للأول، عن مالك والأوزاعي والثوري، وروي نحوه عن أبي يوسف، واحتجوا بقوله: " لعن الله المحلل والمحلل له ". ومنهم من قال: إذا لم يشرط في العقد حل، وإذا شرطه يفسد، ولا يحل عند الشافعي. ومنهم من قال: يصح العقد، ويبطل الشرط، وتحل للأول، ولكن يكره ذلك، وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة وأهل العراق وقال محمد: يصح النكاح، ولا تحل للأول. وفي قوله: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) دلالة على أن النكاح بغير ولي جائز، وأن المرأة يجوز لها أن تعقد على نفسها، لأنه أضاف العقد إليها دون وليها.
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم [231]).