وأقول: إن الذي عندي في ذلك، أن جواز وقوع العصيان منها، هو السبب في إباحة الخلع، ورفع الجناج إنما تعلق بالخلع، لا بأسبابه. والوجه الأول أولى بالاختيار، وأشد ملاءمة لظاهر الآية. والوجه الأخير مرغوب عنه، لعدوله عن سنن الاستقامة، إذ لا يكون الاثنان واحدا في الحقيقة.
(فيما افتدت به) أي: بذلت من المال. واختلف في ذلك: فعندنا إن كان البغض منها وحدها، وخاف منها العصيان، جاز أن يأخذ المهر وزيادة عليه. وإن كان منهما، فدون المهر. وقيل: إنه يجوز الزيادة على المهر والنقصان من غير تفصيل، عن ابن عباس وابن عمر ورجاء بن حياة وإبراهيم ومجاهد. وقيل: المهر فقط، عن ربيع وعطا والزهري والشعبي، ورووه عن علي. والخلع بالفدية على ثلاثة أوجه أحدها: أن تكون المرأة عجوزا أو دميمة (1)، فيضار بها الزوج لتفتدي نفسها، فهذا لا يجل له الفدا لقوله: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية والثاني: أن يرى الرجل امرأته على فاحشة، فيضار بها لتفتدي نفسها، فهذا جائز وهو معنى قوله: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة). والثالث: أن يخافا ألا يقيما حدود الله لسوء خلق، أو قلة نفقة من غير ظلم، أو نحو ذلك، فيجوز لهما جميعا الفدية على ما مر تفصيله.
(تلك حدود الله) أي: أوامره ونواهيه، وما نصب من الآيات في الخلع والطلاق والرجعة والعدة. (فلا تعتدوها) أي: فلا تجاوزوها بالمخالفة. (ومن يتعد حدود الله) أي: يتجاوزها بأن يخالف ما حد له. (فأولئك هم الظالمون).
واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع، لأنه قال:
(الطلاق مرتان)، ثم ذكر الثالث على الخلاف في أنها قوله (أو تسريح بإحسان) أو قوله (فإن طلقها). ومن طلق ثلاثا بلفظ واحد، فإنه لم يأت بالمرتين، ولا بالثالثة، كما أنه لما أوجب في اللعان أربع شهادات، فلو أتى بالأربع بلفظ واحد، لما أتى بالشروع، ولم يحصل حكم اللعان، وكذلك لو رمى في الجمار بسبع حصيات دفعة واحدة، لم تجزئ عنه، بلا خلاف، وكذلك الطلاق.
(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح