التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٤٣
الملائكة لانحصاره فيها في باعث الدين وليس في شئ منهما قوتان متقاومتان تغالب إحديهما الأخرى كما كما في الصورة الانسانية التي هي مجمع الأضداد وأكبر حجة لله على العباد وكل واحدة من القوتين تصول على الأخرى وتجاهدها لتطردها ويخلو لها المحل أو تقهرها فتسخرها وتستخدمها في حوايجها فمن غلب فيه باعث الدين رقى إلى أعلى عليين أعني ما فوق مرتبة الملائكة ومن غلب فيه باعث الهوى انتكس إلى أسفل سافلين أعني ما دون مرتبة البهائم كما قال (تع) أولئك كالأنعام بل هم أضل وتقوية باعث الدين في الاستمرار على مخالفة باعث الهوى وهو الجهاد الأكبر الذي تكررت الإشارة إليه في الأخبار والآثار كما يأتي وكلما كانت أقوى وأتم كانت ملكة الصبر أرسخ وأثبت وهو ضربان بدني ونفسي فالأول كالثبات على تحمل المشاق بالبدن إما بالفعل كتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو غيرها أو بالانفعال كاحتمال الضرب الشديد والمرض العظيم والمحمود منه ما وافق الشرع والثاني يتشعب شعبا بحسب تشعب البواعث النفسانية والجميع مندرج تحت الصبر إلا أن لكل منها اسما يخصه فالثبات المحمود على الفعل الشاق كالعبادة والانفعال الشاق وهو المكروه بالطبع سواء كان بدنيا كما ذكر أو نفسيا كالمصيبة بالأولاد صبر مطلقا من دون قيد بحيث لا يتبادر الأذهان عند الاطلاق إلا إليه والوجه اختصاص المطلق بالأخير وضده فيه الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت ولطم الوجه وشق الجيب ونحوها وحبس النفس عن مقتضى الشهوتين البطنية والفرجية عفة و ضده الشره وفي الأخيرة خاصة التهتك والفجور كما مر وحبسها في حالة الفقر عن السئول واظهار الحاجة لغير أهلها تعفف وضده الالحاف وفي حالة الغنى عن الزهو والطغيان ونحوهما من الذمايم التي تعرض الأغنياء غالبا ضبط النفس وضده البطر بالتحريك وهو قلة احتمال النعمة وفي حالة الحرب عن التفريط والافراط شجاعة وضده في الأول الجبن وفي الثاني التهور كما عرفت وفي حالة ثوران الغيظ شوقا إلى الانتقام بمقاسات المنافر وكظم الغيظ حلم وهو غير المقابل بالسفه في حديث الجنود وغيره وضده الغضب أو الطيش وهو خفته وسرعته فإن الحليم من لا يتسارع إليه الغضب دون من لا يغضب أصلا وفي الحديث أعوذ بالله من غضب الحليم والمقابل بالغضب فيما مضى الرضا وربما يسمى الصبر في النوائب وهي المصائب سعة الصدر وضده وهو الجزع ضيقه والضجر بفتحتين يقال مكان ضجر ككتف أي ضيق والتبرم وهو الملال وضبطها في اخفاء الأمر الذي حقه أن يكتم من أسرار الشريعة وأمانات المجالس وغيرها كتمان وضدها الإذاعة وهي الافشاء وبوجه خاص النميمة وفي مرافق المعيشة عن طلب فضول العيش زهد بمعنى أخص من المقابل بحب الدنيا وهو القناعة وعن امساكها سخاء وضده في الأول الحرص وفي الثاني البخل وفي المخاطبات عن اكثار الكلام صمت وضده الهذر وفي سائر الأمور عن الزيادة والنقصان قصد وضده العدوان ومن ثمة قيل العلم والصبر أبو الفضايل فقد علمت فيما مضى أن كمال القوة النظرية بالعلم وكمال القوة العملية في شعبتيها الشهوية والغضبية بالعفة والشجاعة وأصول الفضايل منحصرة في هذه الثلاثة وملكه الصبر من حيث تضمنها ضبط النفس عن الشهوات تشمل العفة وعلى المكروهات تشمل الشجاعة فإذا حصل العلم والصبر نتج منهما سائر الفضايل فالعلم بمنزلة الأب لكونه المؤثر الأول والصبر بمنزلة الأم لانطوائه عليها بالقوة القريبة وقد أمر الله سبحانه بالصبر وأثنى على الصابرين في نيف وسبعين موضعا من الكتاب فقال واصبروا إن الله مع الصابرين وقال و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة وأولئك هم المهتدون وقال ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وقال أولئك يؤتون أجرهم بما صبروا إلى غير ذلك من الآيات وورد في الحديث النبوي وأحاديث أهل البيت (ع) بعدة طرق الصبر رأس الايمان ولا ايمان لمن لا صبر له لما عرفت من انطوائه على خصاله كلها وجدوته سهولة العبادة فإن الصبور كالمديون الموطن نفسه على ايفاء حق الغريم فإنه لا يشق عليه الأداء عند الاقتضاء ومن ثم أمر الله سبحانه عباده بعد ما أمرهم بما أمرهم بالاستعانة بالصبر في غير موضع من القرآن فقال واستعينوا بالصبر وتوفية الأجر بغير حساب كما قال (تع) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ويكتب له من الدرجات ما في حديث أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش وحقه أن يكون خالصا لله عز وجل كغيره من العبادات لا لحمية ورياء ونحوهما وإن كان من اللوازم والظاهر أن قصد الحمية إذا كان طارئا ولم تكن جاهلية ليس بصاير في ترتب الثواب الموعود كما اختاره المصنف في طريان قصد التبرد في الوضوء إذا كان الباعث الأصلي هو التقرب كما يأتي وهذا من المشتركات بين أنواعه الثلاثة المعدودة في الرواية ويختص كل من الصبر على الطاعة والمصيبة بأمور تخص بالذكر أما الأول فإن النفس الأمارة نافرة عن العبودية ومن ثم تشق عليها العبادات إما بسبب الكسل كالصلاة أو البخل كالزكاة أو بهما جميعا كالحج فالعابد يحتاج إلى الصبر عليها في ثلاثة أحوال الأولى قبل العبادة وذلك بأن يثبت نفسه على الاخلاص ويصون النية في الطاعة عن شوايب الرياء ودواعي الآفات والثانية في أثناء الأداء والاشتغال بالعبادة فيتحفظ عن الغفلة عن الله والتكاسل عن تكميل آدابها وسننها إلى الفراغ والثالثة بعد الفراغ منها واستحقاق الثواب حينئذ إلى ضبط النفس عن الافشاء و التظاهر بها للسمعة والرياء وعن النظر إليها بعين العجب وغير ذلك من مبطلات العمل ومحبطات الأجر وقد نهى الله عنها بقوله عز وجل ولا تبطلوا أعمالكم وقوله سبحانه لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وقوله ولا تمنن تستكثر ومدح قوما بذلك حيث قال ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا أذى وعن أبي جعفر (ع) الابقاء على العمل أشد من العمل قيل وما الابقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360