الآفات كسب الحرام والاشتغال عن الله فمن لم يكن في أذية من الشهوة وكانت فائدته منحصرة في الولد وآفته المتصورة كسب الحرام فالراجح في حقه الترك لأن فائدة الولد موهومة والآفة المفروضة نقصان ناجز في الدين والولد ربح ورأس المال الدين فهو أولى بالاحتفاظ ولو فرضت الفائدة تسكين الشهوة والآفة الاشتغال عن الله كان الراجح الفعل لأن اقتضاء الشهوة من غير مدفع مما يشغل أيضا القلب عن الله ويزيد بالانجرار إلى معصية الله وطاعة الشيطان وعلى هذا القياس وهذا أيضا من الأمر بين الأمرين وبه تنفصل الاطلاقات من الطرفين وحيث كانت مصلحة الفعل أقوى غالبا وأظهر سيما في أمزجة العرب الذين نزل الدين القيم أولا عليهم وردت أكثر الاطلاقات حاثة عليه حتى صار استحبابه في الجملة من ضروريات الدين وينبغي أن يجتهد المتجرد في إماتة شهوته وتسكينها بتناول أغذية تضعف الباه وترك أغذية تقويه من المفردات والمركبات سيما المعاجين والحبوب المصنوعة لذلك واجتناب الاكثار من التزين والتطيب سيما بالأطياب المبهية ومسامرة البطالين الذين يخوضون في حديث النساء واستماع الأشعار والأقاصيص في ذلك ومطالعة الكتب المشتملة عليه ونحو ذلك حتى النظر حتى النظر إلى سفاد الحيوانات فإن ذلك كله مما يحرك الشهوة الساكنة وهو في ذلك أشبه شئ بمن ابتلي بسبع جايع نائم فيوقظه وهو أعزل لا سلاح معه به يطيق الدفع فما أشد خطره وأبعد سلامته ويستحب له قطعها بالصوم فعن النبي صلى الله عليه وآله من استطاع منكم الباه فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فليصم فإن الصوم له وجاء و هو من الضمايم الراجحة نظير قصد الحمية كما مر في باب الاخلاص ويتأكد فيه غض البصر وقد أمر الله (تع) به قبل الأمر بحفظ الفرج في قوله سبحانه قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وأكمله ما كان بالاعتزال عن المتبرج سيما في مواقع الريب فإن النظر يهيج الوساوس الكامنة في النفس ومن ثم ورد في عدة أخبار أنه سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة وذلك أنه ربما يتعلق القلب بالمنظور بغير اختيار ويتعذر الوصول وقضاء الوطر أو بتعسر لمانع في أحدهما أو كليهما فيفضي ذلك إلى التعب الشديد في مقاساة الشوق أو رفع المانع ولا إثم في النظر الأول إن فقد القصد بل وقع اتفاقا فورد في النبوي وغيره لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وعليك الثانية والثالثة فيها الهلاك وعن أبي عبد الله (ع) النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وأما صحيحة ابن سويد عن أبي الحسن (ع) قلت إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق فيمكن حملها على النظرة الأولى الاتفاقية أو على أن المراد نفي المؤاخذة من أصل الغريزة والشرطية متجهة على الوجهين والنظرة الواحدة المستطيلة في حكم المتعددة والأمر في الأمرد الجميل أشد كما في رواية السكوني وذلك لتكشفه غالبا وسهولة الإحاطة بمحاسنه وتأملها بتكرار النظر واشباعه وقربانه بالمحادثة والمفاكهة ونحوها مما لا يتيسر غالبا في الأجنبية ويزيد رسوخ التعلق في القلب كل ذلك مع امتناع الوصول في الشرع بحيث لا مطمع فيه بوجه من الوجوه فهو الداء العضال بخلافها فإنها ولو فرضت متعذرة الوصول عادة فليست متعذرة عقلا فيمكن أن يرجى له الوصول بسبب غير محتسب وإن كان مستبعدا جدا كما يحكى في بعض النوادر ومقتضى أشدية الأمر في الأمرد تحريم النظرة الثانية فما زاد إليه بطريق أولى وقد صرح بذلك بعض المحققين ويؤيده ما رواه القوم عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا تديموا النظر إلى المردان فإن فيهم لمحة من الحور العين وهو متجه فيما إذا كان على وجه الشهوة وخيف منه الانجرار إلى الفاحشة أو الابتلاء بالعشق البهيمي أما لو كان لمجرد الابتهاج والانتعاش كما يبتهج بالنظر إلى المياه الجارية والأراضي الخضرة والأشجار الموزونة النضرة ونحو ذلك مما لا يلتمس لوطي ولا للمس ولا تقبيل بل يقضي الوطر منها بمحض النظر و المشاهدة فإن ذلك من مقتضيات الطبع السليم ومن ادعى تحريمه فعليه البيان وأولى بالجواز ما لو كان على وجه النظر في لطائف صنع الله والتفكر في بدايع قدرته إلا أنه من مواضع الغرور والنفس الأمارة تتسلل إلى فتح باب الرخص بالخدايع والحازم يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه وحسنات الأبرار سيئات المقربين ويحكى عن بعض السالكين قال ترافقت مع الأدهم من خراسان إلى الحج وكنا تعاهدنا أن لا نمشي إلا لله ولا ننظر إلا لله ولا نقوم ولا نقعد ولا نفعل ولا نترك إلا لله قال فرأيت منه الوفاء بجميع ذلك وبينا نحن ذات يوم في الطواف إذ أقبل صبي جميل لم ير الراؤون مثله فوقف عند المقام وانقطع الناس عن طوافهم ينظرون إليه قال فلما بلغته رأيت الأدهم أيضا واقفا في زمرة الناظرين فقلت له خالفت شرطك فقال مهلا هذا ابني فقلت فلم لا تتعرف إليه قال أخاف أن أفتن به ولكن أدن إليه أنت وسله بمسمع مني ما شأنه قال فدنوت إليه وقلت يا هذا خف الله ولا تفتن الناس بجمالك في هذا الموقف فإن الله سائلك عن ذلك غدا قال كلا ما أحب أن أكون فتنة ولكن أبي فارقني وأنا رضيع فلما ترعرعت طلبته في كل سهل وجبل فلم ألحقه وبلغني أنه توجه إلى الحج فأتيت الموسم أتعرف أبي قلت من أبوك قال إبراهيم الأدهم قال فرجعت إليه وهو يبكي ويقول:
هجرت الخلق طرا في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا.
وينبغي أن يراعي المتزوج والمتسري الاعتدال في الوقاع وذلك على وجهين آ تحري الأوقات الصالحة له فإنه على الامتلاء يضعف الهضم ويوقع في القولنج وغيره من الأمراض التي يوجبها الحركة على الامتلاء وعلى الخلاء يوجب الذوبان والجفاف وليكن بعد الهضم الثاني عند اعتدال البدن في حره وبرده ورطوبته ويبوسته لئلا يزيد الجماع تلك الكيفيات إن كانت مائلة عن اعتدال فربما يحدث مع الحرارة الحمى والدق ومع البرودة سيما مع اليبس دق الشيخوخة وربما أحدث الرعشة والرمد