صلحت ولطفت في أوعية الغذاء ثم في أوعية المني ثم في الرحم فالذاهب منها لا يستدرك بما لم ينضج إلا في أوعية الغذاء فقط فهو نظير فتيلة مشتعلة في سراج فيه مقدار من الزيت كلما ذهب شئ من الزيت صب بدله ماء حتى إذا فنى الزيت كله انطفت الفتيلة لا محالة وإن كان السراج مملوءا من الماء وهذا هو الموت الطبيعي مضافا إلى ما يعرض أكثر الأفراد من الأعراض والأمراض المزيلة للحياة قبل فناء الرطوبة الأصلية بأسرها وهي الآجال الاخترامية كما يكثر انطفاء المصباح مع بقاء زيته بسبب العواصف وغيرها فاقتضت العناية الإلهية المطردة في ربط الأسباب بالمسببات استبقاء النوع بالتوالد لينوب الخلف عن السلف في عمارة الدنيا إلى أن يبلغ الكتاب أجله وهو من أوضح الوجوه المعقولة في تسليط الشهوة وركوزها في جبلة الانسان لئلا يتقاعد الوهن بالنفوس الضعيفة الفاترة عن القيام بجفاء الأهل والولد عن التعرض لفضيلة الازدواج ويؤدي ذلك إلى انقطاع سلسلة الوجود المتصلة إليه من آدم أبي البشر والحرمان من خير السببية للوجود ووجوه أخر من الشقاء والخلل لا تستدرك بغيره و ومن فوائد الولد للوالد تحصيل بركة دعائه إن صلح وبقي في الدنيا بعده ففي عدة روايات أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث أحدها ولد صالح يدعو له وتحصيل شفاعته في القيامة إن مات قبله ولو سقطا ففي الحديث النبوي في أطفال المسلمين إن الله (تع) يقول للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آبائكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم أنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون فيصائحون ويضجون فيقول الله سبحانه وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون يا ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله (تع) فخذوا بأيدي آبائهم فادخلوهم الجنة وفيه أن السقط يجئ محبنطا على باب الجنة فيقال له ادخل فيقول لا حتى يدخل أبواي قبلي وهي وما في معناها خالية عن الاشتراط وتكثير الأمة المحمدية فعن النبي صلى الله عليه وآله تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة ومنها الاستنان بسنته النبوية فعنه صلى الله عليه وآله من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج وعنه صلى الله عليه وآله النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ومن ضروريات الاسلام كراهية الرهبانية وأما مدح يحيى (ع) بالحصور وهو من لا يشتهي النساء فليس بمناف ذلك بوجه كما لا يخفى ومنها التحرز عن تعطيل الأعضاء عن المقاصد المخلوقة لأجلها فإن إهمال آلات التناسل تضييع للحكمة وابطال للمنفعة واعراض عن اكتساب الخير وتعرض للأئمة فإن للسيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيا له أرضا معدة للحراثة وكان العبد قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه بها فإن تكاسل وعطل آلات الحرث وترك البذر ضايعا حتى فسد ودفع الموكل من نفسه بضرب من الحيلة كان مستحقا للعتاب من سيده أو فوق ذلك والله خلق الزوجين الذكر والأنثى وخلق النطفة في الفقار وهيا لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الزوجين ومن نظر في علم التشريح وما أعده الله بلطيف قدرته ودقيق صنعته في أوعية التوالد وقف على شئ من تفاصيل هذا الاجمال وكلها السنة ناطقة بمراد بارئها الحكيم مفصحة عما أعدت له في أتقن نظام وأحسن تقويم وآفاته كثيرة أيضا منها كثرة المؤنة المحوجة إلى كسب الحرام أو الشبهة للتوسع فإن الحلال غزير الوجود عسر الحصول لا يفي باقتراحات الزوجة ومن تستتبعه من الولد والخادم وغيرهما سيما في مثل هذا الزمان الذي صدق عليه قوله صلى الله عليه وآله سيأتي على أمتي زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من كهف إلى كهف أو من شاهق إلى شاهق كالثعلب بأشباله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا رسول الله أمرتنا بالتزويج قال نعم ولكن إذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يدي زوجته فإن لم يكن له زوجة فعلى يدي قرابته قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال يعيرونه بضيق المعيشة حتى يوردوه موارد الهلكة ومنها فوات الحقوق الواجبة للنساء فإن لهن مثل الذي عليهن والقيام بها على وجه الايفاء مما يضيق به ذرع الأكثرين والانسان قد يعجز عن الوفاء بحق نفسه فكيف إذا انضافت إليها نفس أخرى تستتبع نفوسا أخر كلها أمارة بالسوء أو المراد حقوق الايمان التي يمكنه القيام بها لإخوانه ما دام متجردا وينقطع عنها بالتزويج لقلة الفرصة حينئذ وكثرة المؤنة من العيادة والزيارة والمواساة وغيرها مما يأتي في محله ومنها الشغل عنه (تع) بتدبير المعيشة وتقويم المدخل والمصرف واصلاح المنزل لها ولأولادها وجمع المال والادخار لأجلهم في حياته وبعد موته والتفاخر والتكاثر بهم وبالأموال المجموعة بسببهم وقد يتعلق القلب بالزوجة الخطية سيما للشاب الفارغ الواجد ويؤدي ذلك إلى الاستغراق بالتمتع والموانسة واغفال فكر الآخرة والاستعداد لها والشاغل عن الله (تع) مذموم كما سبق فهذه مجامع فوائد النكاح وآفاته وبسبب تعارضها ربما يتردد الذهن في ترجيح الراجح من فعله أو تركه والقول الفصل فيه أن الحكم بأحدهما على الاطلاق قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل ينبغي أن يتخذ ما ذكر من الفائدة والآفة معتبرا وأصلا يعرض عليه حال الشخص فإن تحققت الفائدة في حقه وانتفت الآفة بأن كان مال حلال وخلق حسن وجد تام في أمر الدين لا يشغله النكاح ولوازمه عن الله وهو مع ذلك شاب يحتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فهو أفضل له من التجرد وإن انعكس الحال بتحقق الآفة وانتفاء الفائدة انعكس الترجيح وإن تقابلا بتحقق البعض وانتفاء البعض من كل منهما كما هو الغالب وزن بالميزان القسط حظ الفائدة في الزيادة من دينه وحظ الآفة في النقصان منه وأخذ بالراجح وأظهر الفوائد المتصورة في حق أكثر الناس تسكين الشهوة وتحصيل الولد وأظهر
(٢٦١)