بعد المسألة فلم اعطه إلا ثمن ما أخذت منه وذلك أني عرضته أن يبذل وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه وأن يعجل الأداء مبادرة في الائتمار واستباقا إلى الخير ومسرة للمستحق وصيانة لحلاوة احسانه عن الشوب بمرارة الانتظار وعنه (ع) إن من الخصال الثلاث التي لا يصلح المعروف إلا بها تعجيله فإنك إذا عجلته هناته وإلا محقته ونكدته وتحاميا عن طروق الآفات المانعة التي يستلزمها التأخير غالبا ولو من نفسه فإن الانسان ربما تقوى فيه داعية الخير في الباطن وهي لمة الملك والقلب سريع التقلب والشيطان يعد الفقر وله لمة عقيب لمة الملك فلا يؤمن المؤخر أن تفتر رغبته ويحرم الفضل وأن يعين لغير الموقت شرعا وقتا فاضلا كساعة العتمة ويوم الجمعة وشهر رمضان وسيما عشر آخره إذ فيها ليلة القدر وذي الحجة وسيما عشر أوله وسيما عرفه ويوم الغدير فإن الحسنة فيه تتضاعف وأن يستر في الانفاق المستحب مبالغا في ذلك بحيث لا يدري من في شماله ما يعطى من عن يمينه تبعيدا له عن الرياء وسترا على الفقير و هو من الخصال الثلاث وبه يتم المعروف وفيه من التأكيد ما فيه فورد في حديث أبي عبد الله (ع) الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وفي الحديث النبوي هي تطفئ غضب الرب وأن يظهر في الواجب ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال كل ما فرض الله عليك فاعلانه أفضل من اسراره وكل ما كان تطوعا فاسراره أفضل من اعلانه ولو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا ويستثنى من اسرار التطوع مواضع أحدها حيث سئل في ملأ من الناس وتحركت نفسه إلى الايتاء لله بحيث لا يتفاوت حضور الحاضرين وغيبتهم لكنهم لو لم يعلموا باتيانه نسبوه إلى البخل فلا ضير في التظاهر به حينئذ لا لأن يعتقد فيه الورع بل تحاميا عن أن يعتقد فيه اللوم فيذم بسبب ذلك والتألم بالذم من المباحات كما عرفت وليكن معتصما عن الرياء فإنه من مظانه ومظان الغرور والثاني حيث أمنه إما لتصحيح النية وضبطها وتهذيب النفس أو لأن الحاضرين ليسوا ممن يرائيهم ونحو ذلك فلا مانع من التظاهر والثالث ما إذا كان مقتدى به وقصد الترغيب مع أمن الرياء أيضا فإن الأفضل حينئذ الاظهار ليضاعف له الأجر وهذه صورة نادرة تستنبط مما تقدم في باب الاخلاص ومن ثم لم يلتفت إليها في اطلاقات الكتاب والسنة شفقة على النيات الضعيفة أن تفسد بمخالطة الرياء الخفي عند فتح باب الرخصة فورد عن أبي جعفر (ع) في قوله (تع) إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال يعني الزكاة المفروضة قال الراوي قلت وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم قال يعني النافلة أنهم كانوا يستحبون إظهار الفرايض وكتمان النوافل وأن يعطي وهو صحيح شحيح مايل البقاء ويخشى الفاقة ولا يمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قال لفلان كذا ولفلان كذا كذا في الحديث النبوي وقد سئل أي الصدقة أفضل وأن يستصغر الاعطاء وهو من الخصال الثلاث أيضا ليعظم عنده (تع) كما قال (ع) فإنك إذا صغرته عظمته عند من تصنعه إليه وهو يتيسر بذكر التوفيق الذي هو كالسبب الفاعلي والثواب الذي هو الغاية فإذا تذكر ما يرجوه مما يزيد عليه أضعافا مضاعفة في فعل ليس هو بمستقل التأثير فيه استصغره لا محالة وأن يعطي الأجود من كل مال والأحب إليه والأبعد عن الشبهة فورد في الأول قوله (تع) ويجعلون لله ما يكرهون مذمة لهم على اختيار الردئ لله وفي الثاني قوله عز وجل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان أبو عبد الله (ع) يتصدق بالسكر فقيل له في ذلك فقال ليس شئ أحب إلى منه فإنا أتصدق بأحب الأشياء إلي وفي الأخير قوله سبحانه انفقوا من طيبات ما كسبتم على أن يراد بالطيب الحلال كما روي عنه (ع) في شأن نزولها قال كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها فأبى الله (تع) إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا ولعل المراد بمكاسب السوء كما في الوافي نحو الربا والميسر وثمن الخمور والميتة وفي تتمة الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون وروي أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل أن يزكى يجئ قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرة يقال لها الجعرور والمعافاراة قليلة اللحى عظيمة النوى وكان بعضهم يجي بها عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منها بشئ وفي ذلك نزل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين فالمراد بالخبيث ليس ما يقابل الطيب في صدر الآية وكان الاستشهاد به لاختيار الأجود أجود لأن سياق الأولى إنما هو في اثبات البنات لله سبحانه وإن كان اللفظ محتملا وبالجملة فالفوائد المقصودة من الانفاق للفاعل والقابل جميعا لا يتم شئ منها إلا بانفاق الأجود الأحب الأطيب وأن يسبغ عليه العطاء بحيث يغنيه إن قدر فورد في موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة فقال إذا أعطيت فاغنه وفي المشهور خير الصدقة ما أبقت غنى وأن يقبل مناول السائل يده بعد الاعطاء والضمير المضاف إليه يحتمل المضاف والمضاف إليه وورد تقبيل المتصدق به أيضا لأنه يقع في يده (تع) أولا فعن أمير المؤمنين (ع) إذا ناولتم السائل شيئا فليرد الذي ناوله يده إلى فيه فليقبلها فإن الله عز وجل يأخذه قبل أن يقع في يده كما قال تعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات وعن أبي عبد الله (ع) إن الله يقول ما من شئ إلا وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا وعن السجاد (ع) أنه كان إذا أعطى السائل قبل يد السائل فقيل له لم تفعل ذلك قال لأنها تقع في يد الله قبل يد العبد قال الراوي أظنه يقبل الخبز أو الدرهم وفي حديث آخر عن أبي عبد الله (ع) كان أبي إذا تصدق بشئ وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل و أن يلتمس الدعاء من الأخذ لأن دعائه يستجاب فيه فعنه (ع) إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب
(١٦٠)