واهية غير سديدة تحق أن تستر لا تسطر وتكتم لا تشهر وكله من القيل والقال الذي تواتر النهي عنه من الثقلين كما سبق في المقدمة ومن تعظيمه تعظيم أهله وأن يحضر القلب ويترك حديث النفس ويتدبره فعن أمير المؤمنين (ع) لا خير في قراءة لا تدبر فيها وهو أمر زائد على حضور القلب فإن حاضر القلب ربما لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه ولا يتدبره والمقصود من القراءة التدبر وهذه الأحوال الثلاثة مترتبة و يتردده أحيانا إذا لم يثات له حق التدبر بدونه أو للرغبة أو الرهبة أو التذكر أو التذكير أو التلذذ أو الاستعطاف أو التعوذ أو التضرع أو غير ذلك من الأحوال التي لا تكمل إلا به وعن أبي ذر رضي الله عنه قام بنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقام ليلة بآية يرددها إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وعن أبي عبد الله (ع) ما زلت أردد إياك نعبد حتى سمعتها من قائلها ويتفهمه فيستوضح من كل آية ما يليق بها ويلتمس غرائبه كما وقع الأمر به في حديث أمير المؤمنين (ع) فإن تحت كل كلمة منها أسرار مكتومة لا تنكشف إلا للطالبين من الموفقين ويقدر أنه المراد بالخصوص بكل خطاب فيه فإذا مر بأمر أو نهي أو وعد أو ايعاد جعل نفسه المأمور والمنهي والموعود والموعد وكذا عند كل قصة فإن السمر غير مقصود وإنما المقصود الاعتبار وأخذ ما يحتاج إليه فما من بناء في القرآن من قصص الأولين إلا وفيه عبرة للمعتبرين وأخلي القصص بحسب الظاهر من معنى الانذار والوعظ قصة يوسف بطولها حتى أن من أهل الاسلام من زعم أن هذه السورة ليست من القرآن لأنها قصة امرأة فاجرة عشقت صبيا جميلا فراودته والمتأمل يرى فيها وجوها من الاعتبار والفوائد مهمة ولنشر إلى جملة منها أ أن علم الرؤيا من العلوم حقيقية وليست من المتخيلات المحضة كما زعمه بعض الحكماء ب النهي عن افشاء الأسرار عند من لا يؤتمن شره ج مذمة ملكة الحسد وأنها إذا أطيعت انجرت بصاحبها إلى ما هو أكبر منها كقتل النفس المحترمة والقائها في المهالك وربما يفتضح الحسود ويضطر إلى الاقرار بفضل المحسود د مذمة الكذب وانتهاؤه إلى الخزي في الدنيا قبل الآخرة ه مدح الصبر وحلاوة ثمرته وأن في ابتلاء أنبياء الله أسوة لسائر الناس إذا ابتلوا بالمصائب فيهون عليهم أمرها ويتسهل لهم الصبر عليها ز إن البكاء والأسف لا يتنافيان الصبر الجميل والنهي عن اليأس من روح الله ومدح العفة وحسن عاقبتها ومذمة الفجور وسوء عاقبته وجواز تحمل الضرر تحرزا عن الوقوع في المعصية بأن التوسل بالمخلوقين أحيانا للخلاص عن الأسوأ لا ينافي التوكل لجواز طلب المناصب العالية لمن يثق من نفسه بالقيام بحقوقها بأن مدح النفس أحيانا بما هو فيها ليس من تزكية النفس المنهي عنها يه جواز ادخار الأقوات عند الحاجة وأنه لا ينافي التوكل أيضا لجواز الاحتيال بالحيل المباحة للمقاصد المباحة ومن جملتها التورية في الكلام عند الحاجة بحسن العفو عن المسيئين وقبول اعتذارهم لأن اللمعات القدسية ربما تبرق على قلب الولي فيرى ما هو بعيد عنه وربما تطبق عليه فلا يرى ما هو قريب إليه يظهر أنه لا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه فإذا سبقت عنايته (تع) لأحد بالحسنى لا يضره كيد الكائدين كان الاتيان بهذه القصة العجيبة آية بينة للنبي صلى الله عليه وآله وفيها وجوه أخر تستنبط بالنظر وقد قال (تع) لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ومن ثم من الله على الكافة بإنزال الكتاب بقوله واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة لعموم فايدته الجميع وإذا قصد بالخطاب جميع الناس قصد الآحاد فهذا الواحد القاري مقصود فما له ولسائر الناس فليقدر أنه المقصود دون غيره وأن يتأثر بالقراءة وهو من فروع التدبر وذلك باختلاف حال القلب وظهور الآثار المتغايرة فيه بحسب اختلاف المعنى فيكون له بحسب معنى كل آية حال ووجد ووجل فيفرح ويشتاق ويخاف عند قراءة آية رحمة وجنة وعذاب ونحو ذلك فإن كلام الله تعالى يشتمل على جميع ذلك وفيه السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف وكيف يكون حال المستمع واحدا والمسموع مختلف فتنوع وجوه الكلمات يستتبع تقلب القلب في الحالات وبحسب كل حالة يستعد للمكاشفة بأمر يناسب تلك الحالة كما يأتي في وصف المتقين والقرآن إنما يقرأ لاستجلاب هذه الأحوال وإلا فمؤنة تحريك اللسان بهجائه حفيفة ويترقى في مقامات القراءة وهي ثلاث فالأدنى تقدير العبد أنه يقرأ بين يدي الله سبحانه بمرأى منه ومسمع فيكون حاله عند هذا التقدير السؤل والتملق والتضرع والابتهال ثم إن يشهد بقلبه أنه تعالى يخاطبه بألطافه ويناجيه بأنعامه واحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والاصغاء والفهم كذا في الحقايق ويمكن أن يكون كلام أبي عبد الله (ع) المنقول إشارة إليه أو المعنى تقدير أن العبد يخاطب ربه ومقامه الحياء والتعظيم أيضا وحضور القلب وحسن الأدب ثم برؤية المتكلم كذا في النسخ والصواب حذف الجار وصفاته وأفعاله في الكلام فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قرائته ولا إلى تعلق الانعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره وهذا المقام إنما هو للصادقين وهم المقربون وعنه أخبر أبو عبد الله (ع) بقوله والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون ويحتمل منه غير ذلك قريبا مما قصده الشاعر بقوله - در سخن پنهان شدم چون بوي كل در برك كل - ميل ديدن هر كه دارد در سخن بيند مرا - والمقامان الأولان لأصحاب اليمين على مراتبهم وغيرها من المراتب المنحطة للغافلين على مراتبهم أيضا ويرى دخوله فيما يمر به من ذم العاصين والمقهورين وتوعيدهم دون
(١٤٩)