فإن الرجل يرفع اللقمة إلى فيه من حرام فما تستجاب له دعوة أربعين يوما وأن يكون الدعاء بعد التوبة فإن الاصرار على المآثم معرض للحرمان كما في المشاهد ورد المظالم فإنه من تتماتها كما سبق وعن أمير المؤمنين (ع) فيما أوحى الله إلى عيسى قل لبني إسرائيل إني لا أستجيب لأحد منهم دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة والاقبال على الله بكنه الهمة دون مجرد اللسان وعن أبي عبد الله (ع) إن الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الإجابة والتخشع والتضرع وهو التذلل والبكاء أو التباكي ولو بمثل رأس الذباب والاعتراف بالذنب والاستغفار منه قبل السئول وهما من جهة الدعاء كما سبق والتقدم في الدعاء قبل عروض الحاجة ليعرف في الملأ الأعلى صوته فلا يلام فورد في أحاديث أهل البيت (ع) تقدموا في الدعاء فإن العبد إذا كان دعاء فنزل به البلاء فدعا قيل صوت معروف وإذا لم يكن دعاء فنزل به بلاء فدعا قيل أين كنت قبل اليوم وعن النبي صلى الله عليه وآله في حديث أبي ذر تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وأن لا يعتمد في قضاء حوائجه على غير الله فعن أبي عبد الله (ع) إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه وأن يتصدق ويشم شيئا من الطيب ثم يدعو مستقبل القبلة فإنه خير المجالس رافعا يديه بحيث يرى باطن إبطيه ولو تقديرا وهو أحد الوجوه في الابتهال وفي التضرع ضاما بين كفيه فإن تعذر فليدع باليمين جاعلا بطنهما نحو السماء سيما في دعاء الرزق وهو الرغبة ناظرا إليهما لا إلى السماء كما في القنوت وورد في التعوذ أن يستقبل القبلة بباطن الكفين وفي دعاء الخيفة أن يحرك إصبعه السبابة مما يلي وجهه وروي أيضا جعل ظهر الكفين إلى السماء وهو الرهبة وللدعاء بإصبع واحدة يشير بها وهو التبتل وبالإصبعين يشير بهما ويحركهما وهو التضرع وفي أخرى هو تحريك السبابة اليمنى يمينا وشمالا وفي ثالثة هو رفع اليدين والتضرع بهما وورد تفسير هذه الإشارات على وجوه أخر تطلب من مظانها وهي تعبدات لا يعلم حقيقتها إلا الراسخون في العلم ولا يردهما حتى يمسح بهما على وجهه ورأسه كما ورد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وفي رواية أخرى على وجهه وصدره فإن الله يستحيي أن يردهما صفرا حتى يجعل فيهما من فضل رحمته ما يشاء وأن يتخافت به فدعوة واحدة سرا تعدل سبعين دعوة علانية أو أفضل منها وأن يتيقن بالإجابة كما تقدم وأن يلح فيه فعن أبي جعفر (ع) والله لا يلح عبد على الله إلا استجاب له وعن أبي عبد الله (ع) إن الله كره الحاح الناس بعضهم على بعض و أحب ذلك لنفسه وأن لا يستبطئ الإجابة فربما يكون التأخير لكرامته على الله شوقا إلى صوته ودعاءه ونحيبه وعن بعض المشايخ لا يتبرم الداعي من بطء إجابته فإن الدعاء البطئ الإجابة أبقى أثرا وأطيب ثمرا كالنخلة تطعم كل خير بعد أمد بعيد في زمن مديد بخلاف السريع الإجابة فإنه كشجرة اليقطين قريبة المنال سريعة الاضمحلال وأن يفتتح المسألة بالتمجيد والثناء على الله وهو من جهة الدعاء أيضا وأفضله المأثورات وأدنى التمجيد الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي يحيى الموتى ويميت الأحياء وهو على كل شئ قدير وروي غيره ومما ينبغي أن لا يترك في الابتداء الصلاة على محمد وأهل بيته فبعدة طرق معتبرة لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد والأفضل أن يختتم بذلك أيضا لقبولهما فلا يرد ما في البين فعن أبي عبد الله (ع) من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فإن الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط وروى الأمر به في الوسط أيضا وهو أكمل وينبغي رفع الصوت بها فإنها تذهب بالنفاق كما في النبوي وأن لا يبترها فعن أبي عبد الله (ع) قال سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول اللهم صل على محمد فقال له أبي يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته وتسمية الحاجة فإن الله لا يخفى عليه خافية ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج والتعميم فيه فورد أنه أوجب للدعاء بل الأولى أن يدعو لإخوانه المؤمنين بظهر الغيب وليكونوا أربعين سيما بعد الفراغ من صلاة الليل ويلتمس منهم الدعاء كذلك حتى يكون داعيا بلسان غير مذنب فورد أن الله أوحى إلى موسى ادعني على لسان لم تعصني به فقال يا رب أنى لي بذلك فقال ادعني على لسان غيرك وفي عدة أخبار أن الداعي لأخيه بظهر الغيب يقال له من الملأ الأعلى ولك مثلاه وفي روايات أخر مائة ألف ضعف مثله وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) دعاء الرجل لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه وهو متيقن الإجابة ومن ثم كان غير واحد من أكابر السلف إذا حضروا الموقف دعوا لإخوانهم المؤمنين دون أنفسهم حتى يفيض الناس فلما عوتبوا في ذلك قالوا لا ندع مائة ألف مضمونة لواحدة لا ندري تستجاب أم لا وأن يجتمعوا فيه ولو بالنساء والصبيان فيدعو المحتاج ويؤمنون كما يروى من فعل أبي جعفر (ع) إذا حزنه أمر ومن المقررات أن لتوافق النفوس وتعاضدها لا سيما إذا كانت قوية متهذبة مشابهة للمبادئ العالية مدخلا عظيما في استنزال الخيرات واستجلاب البركات واستفتاح المقاصد المستبعدة الحصول وله وجوه معقولة من جهة الطبيعة مذكورة في محالها فإن كانوا أربعين رجلا استجيب لهم وإلا فأربعة يدعون الله عشرا وإلا فواحد يدعو أربعين مرة روى ذلك أبو خالد عن أبي عبد الله (ع) وفيها وفي نظائرها تنبيه على ما في هذا العدد
(١٤٧)