في الشريعة الصادقة وتعرف حقيقة وزن الأعمال ومعنى قوله عز وجل وإن جهنم لمحيطة بالكافرين فإنه يدل على إحاطتها بهم في الحال ولا حاجة إلى الصرف عن الظاهر فإن الأخلاق الرذيلة والعقايد الباطلة التي هي محيطة بهم في هذه النشأة هي بعينها جهنم التي ستظهر بالصورة الموعودة عليهم كما أنذرهم الشارع وقوله سبحانه الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وقوله صلى الله عليه وآله الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر أي يصب في بطنه نار جهنم وقوله عليه وآله السلام إن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله وبحمده وتعلم أن جميع ذلك على الحقيقة دون المجاز وكذلك قوله الدنيا مزرعة الآخرة فإنه كما أن البذر هو مادة بل هو الذي يظهر بعينه بعد انبساطه بصورة الشجرة بأغصانها وأوراقها وثمارها فكذا الأعمال والأخلاق المكتسبة في الدنيا هي مادة الجنة والنار وهي تظهر في ذلك الموطن بصورتهما وصورة ما فيها من اللذائذ والمكاره فإن قلت كيف يكون العرض بعينه هو الجوهر وكيف يكون المعنى واحدا والحال أن الحقايق مختلفة بذواتها قلت قد لوحنا إليك أن الحقيقة غير الصورة فإنها في حد ذاتها وصرافة سذاجتها عارية عن جميع الصور التي تتجلى بها لكنها تظهر في صورة تارة وفي غيرها أخرى والصورتان متغايرتان قطعا لكن الحقيقة المتجلية في الصورتين بحسب اختلاف الموطنين شئ واحد وما أشبه ذلك بما يقول أهل الحكمة النظرية أن الجواهر باعتبار وجودها في الذهن أعراض قائمة به محتاجة إليه ثم هي في الخارج قائمة بأنفسها مستغنية عن غيرها فإذا اعتقدت أن حقيقة تظهر في موطن بصورة عرضية محتاجة وفي آخر بصورة مستغنية مستقلة جوهرية فاجعل ذلك تأنيسا لك تكسر به صولة نبو طبعك عنه في بدو النظر حتى يأتيك اليقين وتصعد الأفق المبين وترى بعين العيان ما يعجز عنه البيان وتشرف على حقيقة قوله (ص ع) النوم أخو الموت وقول صاحب سره وباب مدينة علمه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا إلى آخر ما قال ولقد خرجنا به إلى الاطناب وعن موضوع الكتاب ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما الزكاة المستحبة فإنما تثبت في مواضع تسعة أيضا في الحصيد والصريم مطلقا وهي ما يخرج يوم الحصاد والجذاذ بالمعجمات مثلثة الفاء أي قطع الثمرة من الضغث وهو الخرمة بعد الضغث والحفنة وهي ملأ اليد بعد الحفنة وبها فسر قوله (تع) وآتوا حقه يوم حصاده في حسنة الفضلاء وغيرها وأوجبها الشيخ في الخلاف والوجه الاستحباب وإن كان للصبي وبه يجمع بين ما يدل على نفي الزكاة في أموال اليتيم وما يدل على ثبوت الصدقة في غلاته وفي كل ما سوى الغلات الأربع مما انبتت الأرض سيحا أو بعلا أو عذبا أو غيرها مما يكال أو يوزن كالأرز والذرة والعدس والحمص و غيرها مطلقا عدا الخضر من بقل وقثاء وبطيخ ونحوها مما يكون سريع الفساد على المشهور وأوجبها ابن الجنيد بشرط بلوغه النصاب ففي الحسن عن أبي عبد الله (ع) كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة في كل شئ انبتت الأرض إلا ما كان من الخضر والبقول و كل شئ يفسد من يومه وروي استثناء الفواكه أيضا ومقتضاها ثبوتها في مثل القطن والكتان والقنب ونحوها وتقييد بعضهم بالحبوب لا دليل عليه وذكرها بالخصوص في بعض الأخبار لا يدل على الاختصاص وفي دخول البصل اليابس وبذور الخضر في المستثنى أو المستثنى منه وجهان وفي مال التجارة بشرط قيام رأس المال فصاعدا طول الحول فلو طلب المتاع بأنقص منه ولو قل في بعض الحول فلا زكاة ويشترط أيضا بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين أيهما كان إن كان أصله عروضا وإلا فنصاب أصله وإن كان للصبي أو المجنون إذا اتجر لهما الولي وهو من إليه النظر في أمرهما وهو المخاطب بالاخراج والمحتاط لا يمنعها لظهور كثير من الروايات في الوجوب كما نقل عن بعض علمائنا وإن كانت محتملة للتقية وهي مسألة عثمان وأبي ذر وأكثرها صريحة في اشتراط التماس الفضل كما هو المشهور فإن كان على النقيصة أحوالا زكاه لسنة استحبابا وفيما قربه من الزكاة بتبديل الأعيان مطلقا على المشهور وقيل بالوجوب فيه كك ومنهم من فصل بالتبديل بالجنس وغيره والروايات لا تخلو عن معارضة في الجنس فليؤخذ فيه باليقين وكذا فيما شك في بلوغه النصاب استظهارا واحتياطا وفي ما غاب عنه سنتين فصاعدا كذا في المفاتيح أيضا والروايات إنما وردت بلفظ السنين بحيث لا يتمكن من التصرف فيه فيزكي بعد عوده لسنة وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين كما في رواية زرارة وفي إناث الخيل السائمة عتاقا كانت أو برازين بشرط الحول واشترط بعضهم أن يخلص للواحد رأس كامل ولو بالشركة كنصف من اثنين والنصوص قاصرة عن اثباته وفي نماء العقار المتخذ له كالخان والحمام وشبههما على المشهور وفي اعتبار الحول والنصاب فيه قولان وفي الحلي المحرم كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة وآلات اللهو المعمولة منهما كما قاله الشيخ والمصنف لم يلتفت إليهما لعدم وقوفه فيهما على مستند كما ذكره في المفاتيح ولا ضير في متابعة الجماعة المقتبسين من أنوار أهل البيت (ع) فيهما إذ المقام مما يتسامح فيه وقد سبق التنبيه عليه وفي تضاعيف الكتاب من ذلك شئ كثير وزكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغني دون الصبي والمجنون والمملوك والفقير وإن كان لهم من يعولهم وجبت عليه إن كان من أهلها والكلام في المبعض كما تقدم والغني هو الذي يملك مؤنة سنته لنفسه ولعياله ومن جملتها الفطرة بالفعل أو بالقوة بأن يكون له عمل يفي دخله بها وبخرجه الضروري بحسب حاله ومروته كما يأتي ويجب أن يعطي عن نفسه وعن جميع من يعوله من ولد وزوجة وضيف وذي رحم وغير ذلك ولو تبرعا وفيه كجملة من الأخبار إشارة إلى أن المناط إنما هو صدق العيلولة عرفا وأن الوجوب تابع له لا لوجوب النفقة ولا لتكلف التصدق بها عليه ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة ووقته من غروب الشمس ليلة الفطر وقيل
(١٥٢)