ويجعل كل مداره على مقتضى الدليل الذي يصححه العقل السليم، والطبع المستقيم، ولا يجعل لغيره مدخلا فيه ولا يحسبن ذلك هينا فإن النفس الأمارة غاوية، تريد أن تلقيه في الهاوية فتدلس عليه أن الاعتقاد الحاصل معظمه من الأمور المذكورة إنما هو في الدليل المحض والبرهان البحت وقل من سلم من ذلك التدليس، السانح من النفس الخسيس، فاجعل أيها السامع سريرتك مثل ميزان عدل أي صير نسبتها إلى الاعتقاد الذي تدعوك نفسك إليه تدليسا وإلى نقيضه واحدة، لتسلم من مكائدها التي من جملتها أنه يخوفك مما لا أصل له كخوفك من الميت، اللهم اكفنا شرور أنفسنا وسيآت أعمالنا، ووفقنا للعلم والعمل بما تحبه وترضاه إنك قريب مجيب.
وأما الحادي والعشرون - فلأن قوله " ثبوت الإمامة وإن كان قطعيا لا يفيد القطع بالأفضلية " مردود بأن وجوب أفضلية الإمام عن رعيته في العلم والشجاعة والعدل ونحوها قد سبق منا إثباته سابقا بما يفيد القطع فنفيه بمجرد قوله " لا يفيد " لا يفيد. وأما قوله " كيف ولا قاطع على بطلان إمامة المفضول مع وجود الفاضل " فمدخول بأن القاطع الأدلة العقلية المفيدة للقطع بثبوت الحسن والقبح العقليين كما سبق الإشارة إليه إجمالا وفصلنا الكلام فيه في شرحنا على كتاب كشف الحق وبعض رسائلنا المعمولة في خصوص هذه المسألة.
وأما الثاني والعشرون - فلأن السلف الذي وجد منهم التفضيل على الترتيب الوجودي الصوري نقطع بانسلاخهم عن الفطرة الإنسانية وأنهم ممن لا يرحمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، بالتزام التقليد الذميم الذي رد الله عليه في كتابه الكريم، معاتبا للكفار في قولهم " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " ولنعم ما قال الشاعر الفاضل المولى فضولي البغدادي رحمه الله: