كتبهم عليهم فإنما وقع إلزاما كما مر مرارا ولا تناقض في ذلك وإنما التناقض عند ابن حجر البليد المتحجر الذي لم يفهم بجمود طبعه معنى التناقض كما لم يفهم بطلان المصادرة التي شحن بها كتابه هذا فتأمل.
69 - قال: الرابعة عشرة زعموا أنه لو كان أهلا للخلافة لما قال لهم " أقيلوني أقيلوني " لأن الإنسان لا يستقيل من الشئ إلا إذا لم يكن أهلا له وجوابها منع الحصر فيما عللوا به فهو من مفترياتهم وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمورهم لها أهل وزيادة بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد ثم سببه هنا أنه إما خشي من وقوع عجز ما منه عن استيفاء الأمور على وجهها الذي يليق بكماله له أو أنه قصد بذلك استبانة ما عندهم وأنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك فرآهم جميعهم لا يودون ذلك أو أنه خشي من لعنته صلى الله عليه وسلم لإمام قوم وهم له كارهون فاستعلم أنه هل فيهم أحد يكرهه أولا والحاصل أن زعمهم أن ذلك يدل على عدم الأهلية غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأسا انتهى.
أقول: الرواية المشهورة أنها قال أبو بكر عند امتناع علي عليه السلام عن بيعته وادعاء الخلافة لنفسه محتجا عليه بما احتج هو به على الأنصار وغيرهم " أقيلوني أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم " ولا ريب أن شيئا من الوجوه التي تكلف إبداءها في تأويل هذه الإقالة مما لا يتمشى ولا يصلح جوابا بعد أن يكون وجه إقالته ما ذكرناه وعبارته ما نقلناه وإن ارتكب متكلف ارجاع بعض وجوهه إلى ما ذكره الشارح الجديد للتجريد من أنه قصد بما ذكره التواضع وهضم النفس فيتوجه عليه أولا ما ذكرناه عند الكلام على رواية ذكرها في أواخر الفصل الأول من الباب الأول