ذلك ليس بما يظهر بل بالبواطن والنيات ولا نسلم أن المهاجرين الذين أطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم أن يكونوا متصفين بالصدق فيجب على الخصوم أن يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كل من هاجر وأخرج من دياره وأمواله ولا يثبت ذلك إلا بدليل من خارج ووجوده أبعد من وجود العنقاء ونقول بوجه آخر إن أراد أن الآية تدل على صدق المجموع من أمة محمد صلى الله عليه وآله كما استدل به صاحب الشرح المسمى بالتحقيق في أصول الحنفية فهب أن يكون كذلك لكن هذا في الحقيقة يرجع إلى الاستدلال بالإجماع الذي أثبتوا حجيته بهذه الأمة لا بالآية وقد مر أن الإجماع غير ثابت في حق خلافة أبي بكر وإن أراد به صدق بعضهم فلا يفيد إلا إذا ثبت أن ذلك البعض قالوا لأبي بكر خليفة رسول الله ودون إثباته خرط القتاد على أن القول بذلك إنما يجدي لو قصد القائل به الخلافة الحقيقية الإلهية أما لو قصد به المعنى اللغوي وهو مجئ واحد خلف آخر فلا يثبت مطلوبهم كما لا يخفى.
32 - قال: ومنها قوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم " قال الفخر الرازي: هذه الآية تدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا أن تقدير الآية اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم عليهم من هم بقوله تعالى " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر فكان معنى الآية أن الله تعالى أمر أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر ظالما لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر انتهى.
أقول: تسمية أبي بكر بالصديق إنما كان من عند أوليائه الكذابين الذين صدقوه لأغراض لا تخفى على أولي النهى وقصدوا بهذه التسمية ترويج أمره لا من عند الله